قطوف الجُمان



SocialTwist Tell-a-Friend

الكويت في :23/04/2018

                                                      

                                                  

محاضرة بعنوان: العملات الرقمية

مقدمة إلى: كلية الدراسات التجارية

الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب

المحاضر: ناصر سليمان النفيسي

المدير العام - مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية

 

مقدمة:

   تعتبر "العملات الرقمية" أحد مظاهر الثورة الصناعية الرابعة أو "تسونامي التكنولوجيا"، والتي من عناصرها الهواتف الذكية وتطبيقاتها، شركات تقنية المعلومات العملاقة، المتاجر الإلكترونية العملاقة، الذكاء الاصطناعي، الربوت، الواقع المعزز أو الافتراضي، سلسلة الكتل "بلوك شين"، إنترنت الأشياء ... إلخ، وقد بدأت مظاهر "الثورة الصناعية الرابعة" في بداية الألفية الثالثة من الميلاد، وبدأت تتسارع بشكل كبير للغاية إلى درجة فقدان السيطرة على الكثير من جوانبها، وذلك حتى من جانب أكبر الدول وأكثرها تمتعاً بالتقنيات الحديثة، وذلك كحال فقدان الولايات المتحدة السيطرة على "فيسبوك" والعجز عن حوكمتها، والذي أدى إلى مخاطر وربما فضائح لم تكن بالحسبان.

 

   ومن المسميات الأخرى أو المترادفات للـ "العملات الرقمية" : الافتراضية، المشفّرة، الإلكترونية، الوهمية، ويفوق عددها حالياً 1500 عملة، ولعل من أبرزها "بتكوين"، "بتكوين كاش"، "داش"، "إيثريوم" و"ريبل"، وتعتبر عملة الـ "بتكوين" من أشهرها، وهي عملة لا يصدرها بنك مركزي ولا تخضع لرقابة أي جهة حاكمة وإشرافية، وحسب ما يتردد، أنها من اختراع وتصميم شخص ياباني مجهول الهوية عُرف بأسم "ساتوشي ناكاموتو"، وهي عملة إلكترونية بشكل كامل وتتداول عبر الإنترنت فقط دون وجود فيزيائي ولا تخضع إلى أي هيئة حكومية أو غير حكومية، وقد تم طرحها للتداول لأول مرة عام 2009، وكان أول سعر لها 0.001 دولار، أي أن 1 دولار يساوي 1000 "بتكوين".

 

العملات الرقمية ... موضوع شائك !

   ويعتبر موضوع العملات الرقمية موضوع شائك ومعقد وضخم وغامض ... إلخ، وذلك لأسباب كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1.الجدل حولها، هل هي عملات ؟ أم سلع ؟

2.افتقادها للاعتراف الرسمي لعدم وجود سلطة حاكمة تنظمها.

3. يتم تداولها عشوائياً من خلال مواقع إلكترونية أو بورصات غير رسمية في معظمها، ومن خلال منصات تداول غامضة وغير مضمونة.

4. تعرضها للقرصنة والسرقة عدة مرات وبمبالغ كبيرة جداً، ولا توجد هناك جهة يتم تقديم الشكاوى إليها.

5. الموقف غير الواضح من جانب بعض الحكومات، فهي لا تعترف بها رسيماً، لكنها تسمح بتداولها في بعض البورصات أو منصات التداول دون تحمل أي مسئولية.

6. السهولة النسبية لشراء العملات الإلكترونية، لكن هناك صعوبة في بيعها وفقاً للأسعار المعلنة.

7. إعلان بعض المشاهير في عالم المال عن حيازتهم للعملات الرقمية والتشجيع على تداولها في مقابل تحذير مشاهير آخرين منها.

8. الشبهات الكبيرة المرتبطة باستخدام العملات الإلكترونية في تمرير الأموال غير المشروعة وغسيلها والتجارة المحرمة، سواءً في المخدرات أو السلاح أو ... إلخ، ناهيك عن احتمال استخدامها في تمويل العمليات الإرهابية وتحويل الأموال ما بين الجماعات المسلحة المحظورة.

9. القفزات الحادة لبعض العملات الرقمية، والتي تجاوزت 100% خلال أسبوع في بعض الأحيان، وفي المقابل، انهيارات مفاجأة لبعضها، حيث انهارت عملة "أيثريوم" من 319 دولار إلى 10 سنت في يوم واحد، أي بانخفاض بنحو 99.9%، وذلك يوم الأربعاء الموافق 26/07/2017، ومن ثمّ ارتفاعها الحاد بعد ذلك بعد تحديد سبب أو أسباب ذلك، ومنها خلل فني، ومنها هجوم إلكتروني، ومنها مضاربات ساخنة ... إلخ.

10. كثرة التقارير اليومية المتناقضة عن واقع ومستقبل العملات الإلكترونية، منها من يتوقع ارتفاع "بتكوين" إلى 100 ألف دولار، ومنها من يتوقع انهيارها وتبخرها بالكامل.

 

ما هو مصدر العملات الرقمية ؟

   لا شك بوجود مصدر أو شيء من المنطق بشأن مصدر بعض العملات الرقمية، وليس جميعها بكل تأكيد، ولنأخذ مثلاً "بتكوين"، فمصدرها تفصيلي ويكتنفه قدر من التعقيد، ونحاول شرحه ببساطة وباختصار بعملية "التعدين" أو "Bitcoin Minning"، حيث تقوم حواسيب أو خوادم "Servers" عملاقة وسريعة بحل خوارزميات أو معادلات رياضية معقدة وصعبة، وعند النجاح في حلها تصدر عملات "بتكوين"، وتستهلك تلك الخوادم طاقة كبيرة جداً لتشغيلها، وكذلك لتبريد العنابر الضخمة التي تحتويها، إلى درجة أن الكهرباء المستهلكة في تعدين "بتكوين" عالمياً تقارب استهلاك دولة الكويت من الكهرباء، وذلك في ذروة نشاط تعدين تلك العملة عندما وصلت نحو 20 ألف دولار في ديسمبر 2017، أما الآن، وبعد تراجعها إلى نحو 8000 دولار نهاية الأسبوع الماضي المنتهي في 19/04/2018، فليس لدينا معلومات عن استهلاك الكهرباء لتعدين "بتكوين" بعد ضعف الإقبال عليها للتراجع الملحوظ في قيمتها.

 

   وتعتبر بعض الدول بيئة مناسبة لتعدين "بتكوين"، ومنها آيسلندا، وذلك لطقسها البارد طوال العام تقريباً، والتي لا تحتاج إلى طاقة كهربائية كبيرة لتبريد الحواسيب العملاقة في تعدين "البتكوين"، كما أن مصدر الطاقة هناك رخيص نسبياً، حيث يعتمد بشكل رئيسي على طبيعة الأرض البركانية لآيسلندا، حيث توّلد الكهرباء من خلال الحرارة المرتفعة لجوف الأرض، ومن الدول الأخرى المشهورة في تعدين "بتكوين" الصين، وأيضاً لرخص الطاقة، حيث لازالت الصين تستخدم الفحم الرخيص بشكل رئيسي لتوليد الطاقة، من جانب آخر، من المعلومات المهمة عن "بتكوين" أن العدد الأقصى لوحداتها يبلغ نحو 21 مليون وحدة، وأنه تم استخراج نحو 17 مليون وحدة حتى نهاية العام 2017، وليس لدينا معلومات حالياً عن العدد المستخرج حتى تاريخ اليوم، حيث يعوّل بعض المتحمسين لعملة "بتكوين" على الحد الأقصى لهذه العملة بالتنبؤ باحتمال ارتفاعها لأسعار خيالية عند الوصول إلى عدد 21 مليون وحدة "بتكوين"، الذي يعني انتهاء رصيدها أو مخزونها بشكل كامل، ولا شك بأننا لا نستطيع تأكيد أو نفي تلك التوقعات، والتي قد تكون جزافية.

 

خلط ما بين العملات الإلكترونية أو "الوهمية" وتقنيات مهمة تستخدمها:

   أدت فورة "العملات الرقمية" والأدوات التكنولوجية التي تستخدمها إلى خلط الكثيرين ما بين الشيئين المختلفين، وذلك في ظل سخونة حركة العملات وسيل الأخبار والتقارير والتوقعات اليومية بشأنها وارتباك بعض المتابعين لها ... إلخ، فعلى سبيل المثال، اتفقت مؤسسة النقد العربي السعودي والمعروفة اختصاراً بـ "ساما" وشركة "ريبل" الأمريكية على الاستفادة من التقنيات المتوفرة لديها في تسوية المدفوعات عبر الحدود، وذلك من خلال برنامج تجريبي، والذي سيحقق وفراً يتراوح ما بين 200 إلى 400 مليون دولار سنوياً للنظام المصرفي السعودي، بالإضافة إلى رفع كفاءة التحويلات والتسويات، وقد اعتقد الكثيرون بعد نشر هذا الخبر في 20/02/2018 اعتراف "ساما" بعملة "ريبل" الافتراضية، وهو ما سارعت "ساما" في نفيه لاحقاً، وذلك من حيث أن التعاون مع "ريبل" ليس اعترافاً بعملتها الافتراضية بل للاستفادة من التقنيات المتوفرة لديها في تسريع ورفع كفاءة التحويلات الخارجية للجهاز المصرفي السعودي.

 

   من ناحية أخرى، اعتبر البعض استخدام بعض الحكومات ومنها حكومة دبي لمنصة "بلوك شين" في تسجيل العقارات اعترافاً بعملة "بتكوين" كونها تستخدم ذات المنصة، أو أن حكومة دبي تستخدم منصة غير مشروعة، وهي "بلوك شين"، وهذا غير صحيح إطلاقاً، حيث أن تقنية "بلوك شين" هي وسيلة لإبرام الصفقات وحفظ سريتها وضمان رسمي لملكية الأصول بأعلى كفاءة وأكثر سرية وبتكاليف أقل من الطرق التقليدية، وذلك رغم استخدام متداولي العملات الرقمية لتلك المنصة، والتي لا يفقدها مشروعيتها أو تميزها، علماً بأن استخدام "بلوك شين" بدأ يتوسع بشكل كبير وتعتمدها الكثير من الحكومات والمؤسسات الرسمية والشركات العالمية ... إلخ في تداول الأصول وحفظ ملكياتها لما تتمتع به من كفاءة عالية وسرية كبيرة ورسوم منخفضة في هذا الصدد.

 

 

بدء شهرة "بتكوين":

   بدأت الشهرة الكبيرة لـ "بتكوين" في بداية عام 2017، وذلك حين اخترقت صعوداً حاجز 1000 دولار، كما بدأت العملات الرقمية الأخرى بالارتفاع بتأثير من ارتفاع "بتكوين"، أي أنها أطلقت شرارة ارتفاعات وقفزات لبعض العملات الرقمية الأخرى، بل وشجّعت على ابتكار العشرات من العملات الرقمية الجديدة، وقد فاق بعضها "بتكوين" من حيث القفزات السريعة في الأسعار كنسبة مئوية، مثل عملة "الإثيريوم"، ولا يتوفر لدينا سبب محدد لقفزة "بتكوين" بداية 2017 ومعها باقي العملات الرقمية الأخرى، إلا إنه يتردد أن أحد الأسباب الرئيسية لطفرة العملات الرقمية هو فوز "دونالد ترامب" بالرئاسة الأمريكية في نوفمبر عام 2016، والذي أدى إلى خشية بعض أصحاب الثروات الصينيين من استحقاقات هذا الحدث المفاجئ وغير المتوقع، ومنها احتمال تنفيذ "ترامب" لتهديداته الانتخابية بمعاقبة الصين في حال فوزه بالرئاسة، وذلك لإضرارها بالاقتصاد الأمريكي بشكل كبير من عدة جوانب، حيث عمد بعض أصحاب الثروات الصينيين إلى تحويل أموالهم- أو جزء منها على الأقل-من "اليوان" الصيني إلى ملاذات آمنة وسرّية مثل العملات الإلكترونية، ولا شك أن هؤلاء الصينيين هم بأعداد كبيرة نسبياً بالنظر إلى وضع الصين الاقتصادي مؤخراً وثقلها السكاني عالمياً، وبالتالي، حدثت موجه شرائية عارمة للعملات الإلكترونية، وتسببت بقفزات لها في بداية 2017، وعلى رأسها "بتكوين"، والتي لفتت انظار العالم إلى حد الدهشة، مما أكسبها دفعاً إضافياً استمر كامل العام 2017 تقريباً.

   وقد قفزت عملة "بتكوين" من نحو 1000 دولار في بداية عام 2017 إلى نحو 20,000 دولار في نهاية ديسمبر 2017، وذلك بعد إطلاق تداول عقودها الآجلة من قبل بورصة "سي إم إي" الأمريكية، وقد سجلت العقود الآجلة لـ "بتكوين" أكثر من 20 ألف دولار بتاريخ 17/12/2017، ونعتقد أن تداول العقود الآجلة للـ "بتكوين" في البورصة المذكورة هي بداية نهاية رواج عملة "بتكوين"، حيث وجد حائزي تلك العملة آلية عملية ومشروعة –  إلى حد ما– لتصريف ما بحوزتهم من "بتكوين" وجني أرباح هائلة وتحويلها إلى أموال تقليدية، حيث انهارت تلك العملة بعد ذلك الحدث المفصلي إلى نحو 7000 دولار خلال الربع الأول من العام 2018، ونتيجة لرواج العملات الإلكترونية خلال العام 2017، فقد قفزت قيمتها الرأس مالية من أقل من 100 مليار دولار أمريكي في بداية عام 2017 إلى أكثر من 750 مليار دولار في نهايته، علماً بأن نحو نصفها خاص بـ "بتكوين"، ولتقريب التصوّر لتلك القيمة، فإن القيمة الرأس مالية لشركة "أبل" بلغت ذروتها عند 925 مليار دولار في 12/03/2018، أي أن قيمة جميع العملات الإلكترونية مهما ارتفعت لم تبلغ قيمة شركة أمريكية عملاقة واحدة.

 

    ولضرب مثال على قفزات عملة "بتكوين" خلال الـ 8 سنوات الماضية، فإن أول سعر إصدار لها كما أسلفنا بلغ 0.001 دولار أمريكي للوحدة الواحدة في 2009، أي أن الدولار الواحد كان يساوي 1000 "بتكوين" وقتها، وبما أنها ارتفعت إلى نحو 20 ألف دولار في منتصف ديسمبر 2017، فإن الدولار الواحد تحوّل إلى 20 مليون دولار ! (1000 وحدة X 20000 دولار)، ورغم أن ذلك قد حدث لأحد الأشخاص، أو عدد منهم، إلا أن ذلك لا يعتبر مثالاً لصنع الثروات بشكل منطقي وعقلاني، كونه حدث لعدد لا يُذكر بالنسبة للمتاجرين بالعملات الرقمية، كما أنه يعتبر حدثاً طارئاً ومؤقتاً.

 

 

 

العملات الإلكترونية وإشباع غرائز الطمع:

   بالرغم من شبه الإجماع الدولي على عدم مشروعية العملات الافتراضية، إلا أن بعض الدول تسمح بها دون الاعتراف بها، أو تغض النظر عن تداولها لأسباب متعددة منها:

1. جباية الضرائب: تحاول بعض الدول جباية الضرائب على تجارة العملات الافتراضية أو فرضها على الأرباح الناجمة عنها رغم الصبغة السرية لتداولاتها، وأيضاً جباية الضرائب على البورصات والمنصات التي تتداولها، وذلك مما يناقض توجهها الرسمي بعدم الاعتراف بها، حيث أن "طمع" جباية الضرائب هو المحرك العملي في مواجهة التحريم النظري لتداولها.

2. جني العمولات: رغم تحريم بعض الدول لتداول العملات الرقمية، إلا أنها تسمح لبعض البورصات في تداولها بحجة الحرية الاقتصادية، حيث تكتفي الدول المعنية في نشر تحذيرات بأنها غير مسئولة عن أي مشاكل أو خسائر مرتبطة بها من حيث الانهيار المفاجئ في أسعارها أو قرصنتها، وبالتالي، فأنها لا تضمن أي أموال ناتجة عنها ... إلخ، وعليه، تكون هناك تداولات على العملات الإلكترونية أو بعضها من خلال بعض البورصات، ومنها في الولايات المتحدة، حيث يكون عامل "الجشع" هو المحرك في سبيل تحصيل عمولات تداول العملات الرقمية مع إخلاء كامل مسئوليتهم في حال انهيار كامل أو مفاجئ في قيمتها، حيث يكون دور تلك البورصات فقط في عملية  تقاص ما بين عمليات الشراء والبيع وتحويل العملات الرقمية إلى أصحابها وإيداع المبالغ المقابلة لها للأطراف المستحقة، ولا شك بعد استقطاع عمولة الوساطة التي تكون مرتفعة نسبياً عن تداولات البورصات التقليدية، ناهيك عن خصم أي رسوم أو ضرائب مستحقة عليها.

 

 

العملات الرقمية في الكويت والخليج:

   لا تسمح دول مجلس التعاون في تداول العملات الافتراضية بشكل رسمي، وقد أصدرت تلك الدول تحذيرات بمنع تداولها، وبالتبعية، فأنه يُمنع تداولها من خلال البنوك وشركات الاستثمار والبورصات وشركات الصرافة ... إلخ، إلا أن ذلك المنع ليس مُحكماً 100%، حيث يمكن تداول العملات الافتراضية من خلال الشبكة العنكبوتية، وبشكل سري لا تعلم به الحكومات من خلال حسابات خارجية لا تخضع لرقابة السلطات المحلية، وذلك كحال لعب "القمار" المتاح من خلال الإنترنت رغم منعه رسمياً في دول مجلس التعاون.

   ورغم المنع المشدد لتداول العملات الافتراضية، إلا أن بعض دول الخليج أعلنت رسيماً عزمها على تطوير عملات رقمية، مع التشديد أنها "رقمية" وليست "افتراضية" أو "وهمية"، وذلك في إطار تطوير وسائل الدفع والتقاص وتنشيط التجارة والاقتصاد .... إلخ، وأيضاً وفقاً لإطار قانوني واضح ومرجعية مباشرة للبنوك المركزية والجهات الرسمية المعنية الأخرى، ويمكن تشبيه العملات الرقمية التي تنوي بعض دول الخليج تشريع تداولها بالبطاقات الائتمانية أو تطوير تقني لها بما يتيح مزيد من المرونة في عملياتها وزيادة في سرية تعاملاتها ... إلخ.

 

    وتجدر الإشارة في هذه المناسبة إلى إصدار فنزويلا لعملة رقمية بأسم "بترو"، تكون مرتبطة بالاحتياطي النفطي للدولة، وهو الأكبر في العالم، ولم تجد تلك العملة رواجاً كون فنزويلا مصنفة ضمن الدول الفاشلة والمفلسة، حيث حاولت من خلال إصدار عملة إلكترونية إنقاذ وضعها الاقتصادي المنهار  والسياسي البائس والاجتماعي المتدهور لكن دون جدوى كما يبدو حتى الآن.

 

 

 منصات تداول العملات الرقمية:

   تتعدد منصات تداول العملات الرقمية، فمنها متخصص في عملة رقمية واحدة، وبعضها لمجموعة محددة من تلك العملات، وبعضها الآخر لمجموعة واسعة منها، كما تتنوع المنصات من حيث شعبيتها لدى شرائح المتداولين، فبعض المنصات مخصصة لكبار المتداولين من مؤسسات وأفراد، وبعضها الآخر مفتوح للجميع، وأيضاً تتنوع المنصات من حيث التسهيلات والقيود، كما أن بعض المنصات لديها شعبية لدى بعض الشعوب، حيث يُقبل الصينيون على منصات معينة، بينما تستهوي اليابانيون منصات أخرى، في حين ينجذب الكوريون الجنوبيون إلى منصات غيرها ... إلخ.

 

   ومن أشهر منصات التداول أو بورصات العملات الرقمية بورصة "كراكن" ومقرها الرئيسي في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة، ولديها فروع خارجية، وتحظى بتداولات بنحو 10% من إجمالي متداولي "بتكوين" في العالم، ومن منصات تداول العملات الرقمية الأخرى بورصة أو منصة "كوين بيز"، ويتداول نحو 9 ملايين شخص ومؤسسة العملات الإلكترونية من خلالها، ومن أهم البورصات التي يتم تداول العملات الرقمية خلالها بورصة "سي أم أي" الأمريكية، والمتخصصة بتداولات عقود "بتكوين" الآجلة، والتي فاق سعرها 20 ألف دولار كما أسلفنا خلال شهر ديسمبر 2017، بينما بلغ السعر الفوري نحو 20 ألف دولار أمريكي، علماً بأن عملة "بتكوين" بدأت بالتراجع الحاد منذ ذلك التاريخ، وقد سحبت معها معظم العملات الرقمية الأخرى إلى مستويات متدنية حتى وقت إعداد هذه المحاضرة.

 

شراء السلع والخدمات بالعملات الإلكترونية:

   مع رواج العملات الرقمية خلال العام الماضي 2017، انتشرت أخبار عن صفقات لسلع أو خدمات بواسطة العملات الرقمية، منها أن شركات طيران قبلت بعض العملات الرقمية في سداد قيمة تذاكر السفر، كما ورد خبر عن شراء منزل في أستراليا بواسطة "بتكوين"، كما قبلت أحد الشر كات الاستشارية العالمية سداد أتعابها بواسطة العملات الإلكترونية، وأيضاً قررت عدة متاجر إلكترونية قبول سداد قيمة بضائعها من خلال العملات الرقمية ... إلخ، ورغم تلك الأخبار والتي لا نستبعد صحتها أو صحة بعضها، فإن تلك العمليات تظل محدودة للغاية بالنظر إلى حجم التجارة العالمية، كما تلاشت تلك الأخبار بعد التراجع الحاد في أسعار العملات الرقمية، وبالتالي، يمكن القول أن شراء السلع والخدمات بالعملات الإلكترونية محدود للغاية ولا يكاد يُذكر، وبمعنى آخر فإنه غير مقبول عموماً حتى الآن.

 

مستقبل العملات الرقمية:

   لا بد من التمييز أولاً أو تحديد تعريف للعملات الرقمية، حيث أن العملات الرقمية التي تعمل بعض الحكومات على  تشريعها والتعامل بها مستقبلاً هي بمثابة عملات رسمية وحقيقية كونها ذات غطاء تشريعي ومالي وتتبع دول ومنظمة بواسطة مؤسساتها الرسمية المعنية، وبالتالي، نتوقع ازدهارها ونموها بشكل ملحوظ كحال نمو الدفع بالبطاقات المصرفية المختلفة وكذلك التحويلات الإلكترونية، أما فيما يتعلق بالعملات الافتراضية مثل "بتكوين" وغيرها، فإن مستقبلها غامض ومجهول بالنسبة لنا على الأقل، كون بعضها أو معظمها "عملات وهمية" يتم استخدامها للمقامرة وليس حتى للمغامرة، ناهيك عن بعدها عن النشاط الاستثماري التقليدي، ولا شك أن كل ذلك يعتمد على مواقف الدول تجاهها، هل ستستمر في محاربتها؟ أم تستمر في تجاهلها؟ أو الاستفادة منها من "الباب الخلفي" أو من رراء ستار .. كما يُقال! أم تحاول تقنينها أو ترويضها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة والاستفسارات الكثيرة وربما غير المنتهية.

 

e – mail: info@aljoman.net                    website: www.aljoman.net