تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية

عن سوق الكويت للأوراق المالية



التاريخ :31/05/2006


تراجع المؤشر الوزني بمعدل 5% خلال شهر مايو 2006 كما تراجع بمعدل 11% منذ بداية العام الجاري ، أما معدل التداول فقد تراجع إلى 56.0 مليون د.ك كمتوسط يومي بالمقارنة مع 79.0 مليون د.ك لشهر أبريل بنمو سلبي بلغ 29% ، و يأتي هذا التراجع بالرغم من تدخل الهيئة العامة للاستثمار بضخ مزيد من السيولة في أعقاب حل مجلس الأمة الكويتي في الحادي والعشرين من مايو الجاري ، ولتحليل الأثر المباشر لحل مجلس الأمة على البورصة من حيث التداول والأسعار ، فقد ارتفع المؤشر الوزني منذ تاريخ الحل حتى إعداد هذا التقرير بمعدل 2% كما ارتفع متوسط التداول منذ ذلك التاريخ حتى الآن إلى 70.0 مليون كمتوسط يومي بالمقارنة مع 47.8 مليون د.ك يوميا بمعدل نمو بلغ %46 منذ بداية شهر مايو حتى العشرين من نفس الشهر ، ولا شك بأن ضخ سيولة بتعليمات حكومية بمناسبة حل مجلس الأمة إنما هو إجراء معيب للغاية وغير مبرر إطلاقا ولا يدل إلا على قصر نظر متخذيه وربما قصور وعي لدى المرحبين به أيضا ، ويمكن الرجوع إلى تقريرنا الصادر في 20/3/2006 بشأن محاذير تدخل الهيئة العامة للاستثمار في سوق الكويت للأوراق المالية وذلك للاطلاع على وجهة نظرنا بشكل تفصيلي بهذا الصدد .


منتديات الشفافية


عقدت مجموعة شركة مشاريع الكويت القابضة وبعض شركاتها التابعة منتدى الشفافية في الثالث من مايو الجاري وذلك للعام الثالث على التوالي ، كما لحقت شركة أعيان للإجارة والاستثمار بركب الشفافية من خلال منتداها الذي انعقد في الرابع عشر من مايو الجاري أيضا ، ولا شك بأن عقد تلك المنتديات بات ضرورة ملحّة خاصة للشركات القابضة وذلك لشرح التوجهات الاستراتيجية والتوقعات المالية في ظل زيادة زخم الأنشطة كمّا ونوعا ، وذلك لإحاطة المستثمرين وغيرهم من المهتمين بما يمكن الإفصاح عنه من معلومات وبيانات من شأنها تعزيز الشفافية والثقة وإتاحة المجال للحاضرين في طرح الأسئلة والاستفسارات وكذلك التعليقات والملاحظات الموضوعية الهادفة للحصول على معلومات وبيانات من مصادرها الرسمية في جوّ يعج بالإشاعات والمعلومات المضللة التي لا سبيل للتصدي لها إلا بمثل تلك المناسبات .


لا شك بأن المبادرة في عقد تلك المنتديات واللحاق بركبها من مظاهر الرقي في بث الوعي الاستثماري والتي تستحق التقدير والتشجيع وأيضا دعوة المزيد من الشركات لانتهاج نفس الأسلوب الحضاري في توصيل المعلومات الموثوقة ، حيث إن القاعدة العامة أضحت - و للأسف الشديد - لدى الكثير من الشركات المدرجة هي كتم المعلومات وربما تضليل المستثمرين وهذا الذي يفسر ترددهم في عقد مثل تلك المنتديات للهروب من مواجهة الجمهور واحتكار المعلومات والبيانات لمصالح ضيقة وربما تكون غير مشروعة للاستفادة منها على حساب الآخرين .


mtc والشفافية


أعلنت شركة الاتصالات المتنقلة في 8/5/2006 عن الحكم الصادر بتاريخ 19/4/2006 والقاضي بإلزام الشركة بسداد مبالغ معينة لوزارة المواصلات عن خطوط الهاتف المحمول مسبقة الدفع ، ويلاحظ أن هناك فترة زمنية كبيرة نسبيا ما بين تاريخ صدور الحكم وتاريخ إفصاح الشركة عنه ( 18 يوما تقريبا ) ، ورغم أن الشركة قدمت أسبابا لتأخرها في الإفصاح عن الموضوع إلا أننا نعتقد أن فترة التأخير غير مبررة إطلاقا ويمس شركة كبرى وعريقة ما كان لها أن تتصرف على النحو الذي تصرفت به ، حيث سرت العديد من الإشاعات والأقاويل من اليوم الأول لصدور الحكم عن ضخامة المبلغ محل النزاع وأثره على نتائجها المستقبلية الذي أحدث نوعا من البلبلة لدى أوساط المستثمرين وكذلك المتابعين الآخرين لمجريات الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية .


إن شركة الاتصالات المتنقلة وجميع الشركات المدرجة الأخرى مدعوة إلى التزام أقصى درجات الشفافية لدعم الثقة في نفسها و في سوق الكويت للأوراق المالية ككل ، كما أن إدارة السوق مدعوة أيضا للتحقيق الجدي مع الشركة في أسباب تأخرها في إخطار السوق فورا عن الحكم المشار إليه وذلك على قدم المساواة مع الشركات المدرجة الأخرى وفق القواعد المرعية في هذا الشأن ، ومن ثم اتخاذ الإجراءات الحازمة والرادعة في حق المقصرين مهما كانت درجة نفوذهم وعلاقاتهم لتأكيد ما تقوله إدارة السوق للجميع بأنها فوق الشبهات و أنها منزهة عن التعاطي الانتقائي مع الشركات المدرجة .


حرية تقابلها مسئولية


يقوم بعض مسئولي الشركات الاستثمارية خاصة الكبرى منها بانتقاد التوجهات الرسمية الأخيرة الخاصة بتقنين زيادة رساميل الشركات القائمة أو تنظيم تأسيس الشركات الجديدة ، وذلك بدعوى إطلاق الحرية في العمل والإبداع للنهوض بمستوى الاقتصاد الوطني واللحاق بقطار التطور الذي سبقنا إليه العديد من الدول المجاورة والتي كانت الكويت مثلها الأعلى في التقدم والرقي خاصة في المجال الاقتصادي .


ولا شك بأن تلك الانتقادات لها ما يبررها ، إلا أنها كلمة حق يراد بها باطل كما يقال ، حيث يجب في المقابل تطوير التشريعات التي تعاقب من يستغل مناخ الحرية الاقتصادية للتكسب غير المشروع على حساب الآخرين سواء في تأسيس الشركات الجديدة ، أو زيادة رساميل الشركات القائمة ، كما أنه من المعلوم بأنه بقدر ما تكون هناك حرية يجب أن تكون هناك مسئولية بذات القدر ، حيث إنه من الملاحظ أن العديد من الأطراف قد استغلت مناخ الحرية الاقتصادية النسبي أبشع استغلال مستفيدة من القصور التشريعي الهائل والتراخي أيضا في معاقبة الانتهازيين والمتلاعبين .


إن بعض المخالفات التي ارتكبها مسئولي الشركات المدرجة وغير المدرجة أيضا تستحق أن يودع مرتكبوها في السجن عدة سنوات كما هو معمول به في الدول المتحضرة ، لا أن يتم إيقاف تداول الأسهم المعنية عدة أيام كما هو معمول به لدينا للأسف الشديد ، و الذي يرتب عقوبات على عموم المساهمين وليس مرتكب المخالفة ذاته ، والذي يشجع بدوره على تكرار المخالفات والتجاوزات طالما أن العقوبات ستنصب على أطراف ليست مسئولة عن المخالفات المرتكبة .


ولعل التجاوزات الخاصة بالإفصاح عن الأرباح غير المحققة عن العام الماضي 2005 تعتبر مثلا صارخا وواضحا لحجم التلاعب في الأرقام لتضليل عموم المستثمرين والتي يستحق مرتكبو تلك التجاوزات في حال تجريمهم بها أقسى العقوبات التي تصل إلى السجن لعدة سنوات كما هو معمول به في الدول التي تمنح الحريات وتحاسب على المسؤوليات والذي يطالب بعض المتشدقين بالتأسي بها وهم المشتبه في تورطهم في تزييف الأرباح غير المحققة ولسان حالهم يقول : دعونا نرتع ونلعب كما نشاء ولكن دون مساءلة أو حساب .


أرقام مخزية !


استعرضنا في تقرير سابق تم نشره بتاريخ 17/5/2006 إحصائيات نتائج الربع الأول 2006 للشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ، وبالرغم من أنها لا تحمل أي مفاجأة بالنسبة لنا – حيث تم التنبؤ بها بموجب التقرير الصادر في 28/3/2006 – إلا أنها تكشف عن خلل كبير في تأثر شريحة لا يستهان بها من الشركات المدرجة بأداء البورصة صعودا أو هبوطا بشكل سافر وكبير مما يدعو للقلق الشديد حول مستقبل تلك الشركات بالتبعية مدخرات كثير من المستثمرين .


وبالرغم من كون أرقام الخسائر غير المحققة والتي تعبّر بشكل مباشر عن درجة التأثر بمتغيرات البورصة مخزية من حيث الحجم خاصة في حال بعض الشركات غير الاستثمارية ، إلا أنه يبدو أن مسئولي تلك الشركات لا يشعرون بالذنب أو تأنيب الضمير للحال التي وصلت إليه الشركات كوهم المؤتمنين على إدارتها نظرا لتأكدهم من عدم وجود أي رادع سواء كان أدبيا أو قانونيا كما أشرنا في الفقرة السابقة .


وقد تأثرت النتائج المعلنة للربع الأول 2006 بمعدل 72% بالخسائر غير المحققة و هذا في ظل التراجع الطفيف لمؤشر سوق الكويت للأوراق المالية لذات الفترة بمعدل 10 و 13.5% للوزني والسعري على التوالي ، فلنا أن نتخيل إذا كان مقدار التراجع في البورصة 30 و 40% كما هو الحال في بعض أسواق الخليج فماذا ستكون نتائج شركاتنا ؟ لا شك أرقام فلكية بالسالب وربما تستحق التسجيل في سجل جينيس للأرقام القياسية !


وربما نعذر بعض شركات الاستثمار لتكبدها خسائر ناتجة عن تراجع البورصة ، لكن هناك شركات غير استثمارية وبالذات عقارية خسرت ما يتراوح من 30 إلى 60% من رأسمالها في غضون ثلاثة شهور ، والذي يوضح حالة الفوضى العارمة والمزاجية الطاغية في إدارة تلك الشركات مما أدى إلى تكبد مجمل القطاع خسائر بمبلغ 16.4 مليون د.ك ، مما لا يعكس بتاتا واقع النشاط العقاري في البلاد رغم الركود النسبي الذي يعيشه ، ولا شك بأن انتقادنا للخسائر غير المحققة وأثرها يتوازى مع انتقادنا للأرباح غير المحققة في عدة مناسبات سابقة والتي نحرص باستمرار لتسليط الضوء عليها للتعريف بمخاطرها وضرورة فصلها عن الأرباح التشغيلية عند اتخاذ القرارات الاستثمارية .


الإجراءات المطلوبة


لا شك بأن تعامل الشركات المدرجة وحتى غير المدرجة بأنشطة ليس من أغراضها يحتاج لوقفة جادة وحازمة للتصدي للثغرات العملاقة المتسببة في الفوضى الكبيرة في عمل الشركات ، حيث إنه من المعروف إفلات البعض من رقابة البنك المركزي وذلك في استخدام شركات ليست تحت مظلته لممارسة معظم أنشطة الاستثمار وتعريض أموال المساهمين للخطر دون رقابة أو مساءلة ، والذي يتطلب عدة حلول منها ضرورة تحويل تلك الشركات إلى استثمارية كما هو واقع نشاطها الفعلي وبالتالي إخضاعها لرقابة البنك المركزي أو منع الشركات غير الاستثمارية بشكل مباشر وغير المباشر من العمل بغير أغراضها الرئيسية بشكل جذري وحازم ، وذلك من خلال تصفية موجوداتها الاستثمارية في غير القطاع الذي تعمل به وتوزيعها على المساهمين ، كما يجب أن توضع قواعد صارمة بأن لا تتجاوز الفوائض المالية الموظفة في أنشطة أخرى غير النشاط الرئيسي 10% من رأس المال على سبيل المثال .


كما يتطلب من إدارة سوق الكويت للأوراق المالية تنفيذ تصورها لإعادة تشكيل القطاعات المدرجة بالسوق حتى تكون الشركات المكونة لكل قطاع متجانسة في النشاط ، وذلك وفقا للمقترح الذي كان معلناً تطبيقه منذ أكثر من عام ولم يخرج إلى حيز الواقع لأسباب غير مبررة للأسف الشديد ، كما يجب إعادة النظر بالشركات المدرجة في قطاعات متماشية مع مسمياتها لكنها متناقضة مع نشاطها الحقيقي والمستمر منذ عدة سنوات أي كتوجه استراتيجي ولو بشكل غير معلن وليس بشكل مؤقت أو طارئ ، فعلى سبيل المثال توجد شركة أو أكثر يفترض أنها عقارية ليس لديها عقار واحد ومدرجة في قطاع العقار وجل اهتمامها التداول في الأوراق المالية وربما لأغراض مشبوهة ، وكذلك الحال لبعض الشركات الصناعية التي لا تزيد نسبة نتائجها من النشاط الصناعي عن 10% ، بل هناك أكثر من شركة نشاطها التشغيلي خاسر بشكل شبه مستمر وبالتالي فإن أرباحها من مصادر أخرى تشكل أكثر من 100% من نتائجها المعلنة .


مأزق ربط الدينار بالدولار


قام بنك الكويت المركزي برفع سعر الدينار الكويتي مقابل الدولار الأمريكي بمعدل 1% في الحادي عشر من مايو الجاري ، وبذلك استنفذ البنك المركزي هامش الحركة في تحريك سعر صرف الدينار الكويتي مقابل الدولار الأمريكي الصادر بموجب المرسوم الصادر في هذا الشأن في 15/10/2002 ، كما قام البنك المركزي أيضا بالإبقاء على سعر الخصم الساري على الدينار الكويتي بمعدل 6% بالرغم من رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الخصم بمعدل 25 نقطة ليصل إلى 5% اعتبارا من العاشر من مايو الجاري .


ونعتقد أن قرار بنك الكويت المركزي كان عمليا وواقعيا مع التغيرات التي تشهدها الساحة الاقتصادية خاصة بما يتعلق بتراجع سعر الدولار الأمريكي أمام العملات العالمية وكذلك الفجوة ما بين سعر الخصم ما بين الدولار والدينار والآثار التضخمية المستوردة والتي يمكن تجنب بعض تداعياتها من خلال القرار الأخير للبنك المركزي .


ونعتقد أيضا أن وضعنا النقدي حرج نسبيا نظرا لارتباطنا بالدولار الأمريكي أسوة بدول الخليج الأخرى لأهداف استراتيجية منها العملة الخليجية المرتقبة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، الخسائر التي نتكبدها من ذلك الربط دون مبرر حيث إنها مرتبطة بمتغيرات خاصة بالاقتصاد الأمريكي ونحن غير معنيون بها على الإطلاق ، والتي كان من تداعياتها السلبية استيراد آثار تضخمية غير مبررة ناجمة عن ضعف الدينار الكويتي تبعا للدولار الأمريكي ، حيث انخفض الدينار الكويتي بشكل مبرر بما لا يقل عن 15% وفقا لمؤشر بيغ ماك التي تصدره مجلس ذي إيكونومست عن قيمته العادلة أمام العملات الرئيسية العالمية بسبب تلك التبعية الذي شكل تضخما مصطنعا وإضافيا على التضخم السنوي الطبيعي .


إن هذا الوضع الحرج أو المأزق الناتج عن ربط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي يحتاج إلى حل جدي ومتكامل ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وليس الكويت وحدها للحد من تداعياته السلبية والتي يمكن هضمها في الوقت الحالي لكن لا يمكننا الانتظار حتى تكون الأمور خارج نطاق السيطرة فيما بعد .