تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية

عن سوق الكويت للأوراق المالية



التاريخ :28/03/2006


تراجع المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية بمعدل 11% منذ بداية العام الجاري في حين تراجع المؤشر السعري بمعدل أكبر بلغ 14% ، وتزامن ذلك التراجع مع عدة أحداث محلية وإقليمية ، فعلى المستوى الإقليمي شهدت أسواق المال الخليجية تراجعات تصحيحية عنيفة خاصة في أسواق الإمارات وقطر والسعودية ، أما على المستوى المحلي فصاحب التراجع في البورصة جدل ونقاش وأيضا مهاترات حول شبهات الفساد والتزوير بما يتعلق بإدارة سوق الكويت للأوراق المالية والعديد من الأطراف المرتبطة بها خاصة الشركات المدرجة .


وقد تحول النقاش من مهني إلى سياسي وإلى جدل عقيم في بعض المراحل وهذا اتجاه طبيعي عندما تكون بنية سوق الكويت للأوراق المالية هشة تنظيميا وإداريا وتشريعيا الأمر الذي ولّد بيئة خصبة لتداخل الاختصاصات وتعدد شبهات الفساد وتشتت المرجعيات .


ورغم تفاجؤ الكثيرين بالأزمات الأخيرة المتعلقة بالبورصة إلا أنها متوقعة من قبلنا حيث أشرنا من خلال عدة تقارير إلى أزمات متوقعة كان آخرها تقريرنا الصادر في 22/1/2006 والذي أشار إلى الوضع غير المريح للبورصة وذلك من خلال فقرة خاصة تحت عنوان " عام 2006 اختبار للثقة " .


وقد تأثر الكثيرون سلبا وربما تشاءموا من التطورات الأخيرة إلا أننا نعتقد بأن بروز بعض المشاكل أو مظاهر الفساد وجعلها مكشوفة للجميع تدفع المعنيين قسرا للتحرك نحو ما نأمله من إصلاح حقيقي ومنشود من الجميع .


وقد ساعدت تداعيات هبوط أسعار الأسهم في السعي الحثيث لإنشاء هيئة لسوق المال ، وهو الأمر الذي كان حبيس الإدراج والأفكار لعدة سنوات والذي يعتبر مطلبا ملحا منذ أمد ليس بالقصير للحد من الفوضى العارمة بما يتعلق بتنظيم سوق المال وحتى نستطيع أن نلحق ولو بمؤخرة الركب ، حيث كنا نسير عكس تيار الإصلاح المنشود نظرا للنفوذ الكبير لشرذمة من الكسالى والفاسدين ، وحتى أصبحنا نخشى على أكثر مؤسسات الدولة تحصينا وحساسية أن يجتاحها سيل الفساد العارم .


تصريحات استعراضية


قام وزير التجارة والصناعة الدكتور يوسف الزلزلة بزيارة لسوق الكويت للأوراق المالية بتاريخ 22/2/2006 وقد أعطى الوزير إشارات واضحة بأن الأسهم سترتفع ، وغيرها من التطمينات ، وقد انتقدنا تصرف الوزير من خلال تقريرنا الصادر في 27/2/2006 الذي أشرنا – وقبل تسارع وتيرة الانخفاض – إلى ضرورة عدم تصريح أو تلميح الوزير عن وضع السوق من حيث ارتفاعه أو انخفاضه لأن ذلك ليس من مهامه الوظيفية ، وقد انخفضت القيمة الرأسمالية للسوق منذ تصريحه المذكور حتى إعداد هذا التقرير بما يقارب مبلغ 4.5 بليون د.ك ، ولا شك بأننا لو كنا في دولة متحضرة ولدى المسئولين أدنى إحساس بالمسئولية لكان الوضع يستدعي استقالة الحكومة بأسرها وليس الوزير المعني بالتصريحات التي غررت بالمستثمرين وكبدت المتداولين خاصة صغارهم مبالغ هائلة .


كما نقلت لنا الصحف في 22/3/2006 تصريحات للسيد الوزير تفيد بأنه وخلال شهرين ستعود رؤوس الأموال الوطنية التي هاجرت لسبب أو لآخر ، ولا شك بأن هذا التصريح ليس له مبرر رغم النوايا الحسنة التي كانت وراء إطلاقه ، حيث يتطلب من الوزير إفادتنا بالأرقام عن حجم الأموال التي هاجرت وكذلك إثباتات رسمية لتأكيد مسألة عودة الأموال خلال شهرين من تصريحه وذلك حتى تكون تصريحات الوزير ذات مصداقية وليست مجرد تصريحات استعراضية .


ومن جهة أخرى فإننا نتساءل عن سبب تأخر حسم قضية شبهة التربح دون حق الخاصة بالبنك العقاري والتي تأجلت دون مبرر ، هل كان سبب التأجيل أو التمييع - بمعنى أدق - بمناسبة استلام الدكتور الزلزلة منصبه كوزير للتجارة ورئيس للجنة السوق أم لأسباب أخرى ؟


لا شك بأن المطلوب من وزير التجارة وكافة الوزراء العمل الدءوب والصامت لمصلحة هذا الوطن المسكين ، وليس الاستعجال في إطلاق التصريحات التي ربما تكون مقبولة عند الانتهاء من إنجاز الأولويات المطلوبة وليس قبلها ، كما نتمنى أن تكون هفوات الوزير إن جاز لنا تسميتها كذلك درسا لإصلاح مسيرته الوزارية شخصيا قبل أن تكون إصلاحا للمؤسسات المسئول عنها .


الإيداع المركزي للأسهم


أصدرت لجنة سوق الكويت للأوراق المالية قرارا يلزم جميع الشركات المدرجة إيداع سجل المساهمين لدى الشركة الكويتية للمقاصة في تاريخ أقصاه 22/10/2006 ، ولا شك بأن الحفظ المركزي للأسهم له إيجابيات كما أن له سلبيات في نفس الوقت ، ولن نخوض في تفاصيل ذلك في هذا المقام ، لكن لنفترض جدلا بوجود إيجابيات تفوق السلبيات إلا أنه من غير المقبول أن تحتكر شركة واحدة هذا الموضوع بل إن احتكار الشركة الكويتية للمقاصة لخدمة التقاص منذ أمد طويل أمر غير مبرر على الإطلاق وينطوي على سلبيات كثيرة إن لم نقل مخاطر كبيرة .


فيلاحظ على الشركة المحتكرة حاليا عدم تطويرها للعمل بما يواكب الطفرات الهائلة في سوق المال وتكنولوجيا المعلومات ، وذلك يعتبر أمرا بديهيا لانعدام المنافسة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن الوضع الحالي يكتنفه خطورة بالغة ، فلو انهارت الشركة الحالية لأي سبب كان – وهو أمر لا بد من أخذه بالحسبان حيث انهارت شركات عملاقة في ليلة وضحاها نظرا لقضايا فساد أو قضايا أخرى – فهل نغلق سوق الكويت للأوراق المالية حتى نمنح الشركة وقتا كافيا لاستعادة نشاطها أو ننتظر حتى يتم تأسيس شركة مقاصة أخرى ؟


إن احتكار شركة واحدة لعمليات التقاص وحفظ الأوراق المالية يعتبر ظاهرة فساد كبرى والتي سعى البعض لتكريسها لمصالح ضيقة للغاية رغم تعارضها السافر مع مصلحة سوق الأوراق المالية والاقتصاد الوطني بشكل عام ، الأمر الذي يتطلب إفساح المجال فورا لشركة تقاص ثانية على الأقل لتأخذ موقعها الحيوي للحد من مخاطر كبيرة محتملة حتى لا تستنزف الدولة برمتها لمعالجة تداعيات هذه المخاطر إن وقعت ، ناهيك أن إذكاء روح المنافسة بين أكثر من طرف سيسهم في تحسين خدمات التقاص وتطويرها .


الربع الأول 2006


لا شك بأن تراجع مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية سيلقي بظلاله بشكل كبير ومباشر على نتائج الشركات المدرجة به في الربع الأول 2006 حيث نتوقع أن لا تقل نسبة التراجع عن 30% للأرباح المجمعة لجميع الشركات المدرجة وذلك كأثر مباشر لتكبد شريحة من الشركات لخسائر غير محققة ناتجة عن تقييم محافظها الاستثمارية ، وتجدر الإشارة إلى أن مجموع ما أعلنته الشركات المدرجة وعددها 133 شركة من أرباح في الربع الأول 2005 يبلغ 695 مليون د.ك ، حيث نتوقع أن تتراجع نتائج 58% من الشركات المدرجة في مقابل ارتفاع نتائج 42% منها علما بأن عدد الشركات المدرجة حاليا يبلغ 161 شركة .


تقييم الوضع


لا شك بأن سوق الكويت للأوراق المالية يمر بأزمة ثقة نظرا لكثرة المؤثرات غير الاقتصادية الطاغية حاليا وعليه فإننا لا نستطيع التنبؤ بالتوجهات المستقبلية للسوق بالشكل المهني الصحيح ، حيث انخفض المؤشر بما يقارب التصحيح الفني المطلوب لكن المؤثرات الأخرى تبقى حاضرة وخاصة العامل النفسي المرتبط بصغار المستثمرين وتداولهم العشوائي المتخبط الذي انعكس على المؤشر صعودا وهبوطا ، كما يجب أن لا نغفل مؤثرا ليس اقتصاديا ، وهو هام ، وهو أثر اكتشاف قضايا الفساد – المتعلقة بالسوق بشكل مباشر وغير مباشر – على زعزعة الثقة بالبورصة واحتمالات الكشف لمزيد منها ، هذا من الناحية السلبية ، ومن الناحية الإيجابية مدى جدية الحكومة بالإصلاح ومكافحة الفساد وإنشاء هيئة لسوق المال بالشكل المطلوب وخلال الوقت المعقول .


ونظرا للأجواء غير الواضحة لاتجاه السوق فإننا ننصح المستثمرين خاصة صغارهم بالابتعاد عن المتاجرة بالأسهم بالشكل العشوائي المعروف وتوفير مدخراتهم لحين اتضاح الرؤية والتي نتمنى أن تكون قريبا ، كما ننصح صغار المستثمرين التي لديهم القدرة في التمييز ما بين الأسهم الممتازة والرديئة أن ينظروا في إمكانية الاستثمار في الأسهم الممتازة التي وصلت إلى أسعار مغرية وأن يتجنبوا الأسهم الرديئة حتى لو فقدت أكثر من نصف قيمتها ، حيث أننا لا نستبعد أن تكون بعض تلك الأسهم مقومة بأكثر من ضعف قيمتها في السوق حاليا رغم التراجع الكبير لأسعار عندما كان المؤشر في ذروته .


دور مستشار الإدراج


أعلن سوق الكويت للأوراق المالية في 4/3/2005 أن عضوية مجلس إدارة شركة برقان لحفر الآبار والتجارة العامة باطلة لمخالفة أحكام المادة 139 من قانون الشركات التجارية وذلك لعدم إيداع أسهم ضمان عضوية المجلس وعليه فإن الجمعية العامة للشركة ستعيد انتخاب مجلس الإدارة الحالي بعد إتمام جميع الإجراءات المتعلقة بذلك .


وتجدر الإشارة إلى أن شركة آبار قد تم إدراجها بتاريخ 5/12/2005 وقد تم إعداد نشرة تمهيدية لغرض الإدراج من خلال أحد مستشاري الإدراج ، وهنا يبرز السؤال : هل قام مستشار الإدراج بالتأكد من صحة المعلومات المقدمة له وسلامة الإجراءات التي اتخذها مجلس الإدارة بشأن شرعية عضوية أعضائه ؟ أم أن دور مستشار الإدراج هو مجرد صف بعض الأوراق وإبراز اسمه على الغلاف وقبض الأتعاب ؟ من جهة أخرى ما هي صحة القرارات والعقود وغيرها من الموضوعات الرسمية التي اتخذها مجلس الإدارة منذ تشكيله الأخير حتى الآن بالرغم من بطلان عضوية أعضائه ؟


إن إدارة سوق الكويت للأوراق المالية مطالبة بالتحقيق من جميع التساؤلات أعلاه وغيرها من المواضيع وبالتالي اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بحق من قصّر بواجباته سواء كان إدارة الشركة المعنية أو مستشار إدراجها أو حتى موظفي إدارة السوق المعنيين بإدراج الشركات والتأكد من سلامة البيانات المقدمة لهم ، وذلك حتى لا نفاجأ بمثل تلك الحالات مستقبلا والتي تنذر بعواقب وخيمة في حال التغاضي عنها وأن تمر مرور الكرام كما يقال وكما هو واقع فعلا .