تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية

عن سوق الكويت للأوراق المالية


التاريخ :25/07/2006


تعرض سوق الكويت للأوراق المالية منذ بداية العام الجاري إلى عدة أحداث معظمها غير اقتصاديّ ، وذلك بشكل مسلسل ومتوالٍ أدت إلى إضعاف الرؤية المستقبلية وإمكانية التنبؤ العلمي بشأن الأداء المستقبلي ، والذي يعتبر أمرا حيويا لقرارات الاستثمار والتداول في الأوراق المالية ، مما أفضى إلى حالة من القلق والحذر الشديدين الذين انعكسا على معدلات التداول ناهيك عن التذبذب المستمر في المؤشر .


سلسلة أحداث

وقد بدأت سلسلة الأحداث غير الاقتصادية التي انعكست بشكل مباشر على البورصة بوفاة أمير البلاد سمو الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله ، وما تلا ذلك الحدث بما يعرف بأزمة الحكم ، وما إن انتهينا من تداعيات ذلك الحدث حتى وقع سوق المال تحت ضغط الانخفاضات الحادة إن لم نقل تحت ضغط الانهيارات في أسواق مال المنطقة ، ثم وتلا تلك الظروف التوتر في المنطقة بشأن الملف النووي الإيراني وكذلك تصاعد الاضطرابات في العراق جراء تفجير بعض دور العبادة الحساسة ، وأعقب ذلك التوتر الإقليمي توتر محلي مرة أخرى خاص ببعض المواضيع المفصلية التي كان يناقشها مجلس الأمة الكويتي وما أعقبه من حل للمجلس ثم الحملات الانتخابية الساخنة التي تدعو إلى المواجهة مع بعض الرموز السياسية أو التيارات المناوئة ، وما لبث أن هدأت الساحة المحلية بانتخاب مجلس أمة جديد والتوافق المرحلي ما بين الأطراف المعنية حتى اشتعلت الحرب في لبنان على نحو مفاجئ من حيث الحجم والدمار الهائل الذي تسبب به العدو الصهيوني والذي جعل بورصة الكويت وكافة بورصات المنطقة ترزح تحت وطأة الدمار الهائل الذي تكبده لبنان الشقيق .

وبالرغم من توالي الأحداث السلبية غير الاقتصادية إلا أننا نعتقد أن الخسائر التي تكبدها مؤشر السوق تعتبر – حتى الآن – غير جسيمة حيث بلغت 13% على أساس المؤشر الوزني و 16% على المؤشر السعري والتي تعتبر طفيفة بالمقارنة مع الخسائر الكبيرة التي تكبدتها الأسواق الأخرى في المنطقة الأمر الذي قد يوحي بالأساس المتين للسوق الكويتي بالقياس إلى مجمل أسواق المنطقة .


تأثيرات موضوعية

وبالإضافة إلى الأحداث غير الاقتصادية التي أشرنا إليها أعلاه والتي أثرت سلبا على أداء سوق الكويت للأوراق المالية ، فقد كانت هناك مبررات موضوعية ساهمت هي الأخرى بالضغط سلبا على أسعار الأسهم ، ومنها انخفاض نتائج العام الحالي بالمقارنة مع العام الماضي على أثر تداعيات الأرباح غير المحققة وأيضا شبهة التزوير المصاحب للإعلان عنها والتي لم يتم حسمها حتى الآن وذلك دون مبرر من وجهة نظرنا ، ومن الأحداث المبررة لضعف الثقة بالسوق وبالتالي تهيئة الأجواء لمسلسل طويل من التذبذب والتراجع هو الجدل حول إدارة البورصة ومصير لجنة السوق والتأخر في إنجاز خطوات جدية في اتجاه تأسيس هيئة مستقلة لسوق المال ، كما أضاف تدخل الهيئة العامة للاستثمار في البورصة لأغراض سياسية في أعقاب حل مجلس الأمة مزيدا من الضعف المؤسسي للسوق .


إعادة هيكلة القطاعات

وبمناسبة الحديث عن إدارة السوق فقد قامت مشكورة في وقتها خلال العام 2004 بمخاطبة المؤسسات الاستثمارية و الاستشارية بشأن أفضل السبل لإعادة هيكلة القطاعات الثمان التي تتكون منهم قائمة الأسهم المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية ، وقمنا بدورنا وكذلك المؤسسات الأخرى بتقديم اقتراحات بشأن هذا الموضوع الحيوي والهام ، وقد نشرت إحدى الصحف في ديسمبر 2004 القطاعات الجديدة وعددها أربعة عشر والشركات المدرجة بكل قطاع ، وكان التنظيم الجديد أو مسودة التنظيم الجديد خطوة كبيرة للأمام في هذا الاتجاه و الذي يستحق الدعم والتشجيع ، والذي كان من المؤمل تطبيقه بداية النصف الثاني من العام 2005 أي بعد ستة أشهر من نشره ، وذلك للإعداد الجديد لتطبيقه لاعتبارات فنية ، وللأسف الشديد فقد مضى أكثر من 12 شهرا على التاريخ المرتقب لتطبيق النظام الجديد دون أي إنجاز يذكر على أرض الواقع .

إن الحاجة ملحة تماما لإعادة النظر في القطاعات الحالية والتي تشهد من وجهة نظرنا فوضى عارمة من حيث الشركات المدرجة في بعضها ، خاصة الخدمات والصناعة والعقار ، فعلى سبيل المثال يحتوي قطاع الخدمات على خليط غير متجانس تماما من الشركات حيث يشمل شركات اتصالات وتكنلوجيا المعلومات إلى جانب شركات مقاولات وأيضا شركات نقل وتخزين وكذلك شركات أعمال نفطية وعقارية وزراعية وغذائية . . . الخ .

إن ذلك الخليط غير المتجانس نهائيا من الشركات له تداعيات سلبية في أكثر من اتجاه ، خاصة بما يتعلق بالتنظيم المؤسسي لسوق رائد في المنطقة مثل السوق الكويتي ، حيث يستحيل مع الوضع القائم مقارنة أداء القطاعات بعضها ببعض وأيضا مقارنة أداء الشركات المدرجة في القطاع الواحد ، ناهيك عن استحالة الخروج بمؤشرات قطاعية لأغراض البحوث والدراسات وأيضا للمقارنات السليمة مع القطاعات المثيلة في أسواق المنطقة ومؤشرات الصناعة العالمية الذي يعتبر ثغرة كبرى في إمكانية الاعتماد على المعطيات الحالية للقطاعات باستثناء القليل منها لبناء القرار الاستثماري السليم ، والذي يتطلب مجهودا كبيراً ومضاعفا وغير مبرر من جانب المؤسسات البحثية لإعادة ترتيب الشركات المدرجة في قطاعات منطقية لغرض استخلاص المعلومات والمؤشرات المطلوبة وذلك في إطار عملها اليومي والروتيني .

إن هذا الموضوع وغيره من المواضيع الأخرى الحيوية والتي لا مجال لتعدادها في هذا المقام لا بد أن يتم حسمها بالشكل الصحيح وبالمدى الزمني المعقول خاصة في ظل تزايد عدد الشركات المدرجة والاهتمام المتصاعد بمحاولة وضع الكويت على خارطة مراكز الخدمات المالية الرئيسة في المنطقة ، وبذلك يمكننا أن نبرهن للآخرين جديتنا في تحقيق أهدافنا الاستراتيجية المعلنة من جهات عليا ، لا أن نحافظ على موقعنا المتأخر في أكثر من مجال حيوي للأسف الشديد رغم الإمكانيات والظروف الإيجابية جدا والتي لا تتوفر لكثير من الدول على المستوى الإقليمي وحتى العالمي .


التخارج القسري

منذ بداية العام الجاري ، ومع تراجع أداء سوق الكويت للأوراق المالية وما صاحبه من تراجع نتائج شريحة كبيرة من نتائج الشركات ، قامت عدة شركات بإبرام صفقات متعددة وعمليات تخارج ملفتة لتحقيق مكاسب والتي يبدو أنها هادفة لترقيع الوضع في معظم الحالات ، حيث لجأت شريحة من هذه الشركات إلى بيع بعض الاستثمارات الرابحة والتخارج من شراكات قسريا لإظهار نتائجها بأفضل صورة ممكنة ، وقد تم قطف ثمار تلك العمليات والصفقات قبل نضوجها وفي غير الوقت المخطط له سلفا أي اضطراريا لرفع مستوى النتائج بما يتناسب مع أرباح الفترة المقابلة من العام الماضي 2005 على أقل تقدير ، وقد أشارت إحدى المصادر الصحيفة إلى أن الحجم الأولي لعمليات التخارج خلال النصف الأول العام الجاري بلغت ما يقارب 336 مليون د.ك والذي يعتبر من وجهة نظراً رقما مؤثرا بشكل ملموس على نتائج الفترة .

إن هذه الظاهرة الملفتة والتي تستحق المتابعة والرصد توضح حجم تورط إدارات بعض الشركات بالأحلام الوردية التي عاشتها زمن الطفرة أي العام الماضي 2005 عندما كانت المكاسب الكبيرة والسريعة والمريحة أيضا سيدة الموقف والتي توقع مديرو تلك الشركات باستمرارها لأجل غير مسمى ! مما ألجأهم إلى القيام بعمليات التخارج القسري لتحقيق أرباح هذا العام على أمل أن يعود الرواج مرة أخرى لستر حقيقة الوضع المتردي للعناصر الإدارية الضعيفة إن لم نقل المشبوهة .

وليس لنا في هذا المقام إلا تنبيه المستثمرين من حقيقة دوافع تلك الممارسات وضرورة الحذر من التجميل المصطنع لنتائج الشركات وأيضا أهمية الاستفادة من الظروف الحالية في فرز الصالح من الطالح من الشركات المدرجة وبالدرجة الأولى مدى كفاءة إدارة تلك الشركات .


النتائج الأولية

أعلنت حتى الآن 48 شركة مدرجة نتائجها عن النصف الأول 2006 ، وقد حققت تلك النتائج نموا في مجملها – حتى الآن – بمعدل 18% لتبلغ 644 مليون د.ك مقابل 547 مليون د.ك للنصف الأول 2005 ، وكما هي العادة تبادر البنوك وشريحة كبيرة من الشركات الكبرى في إعلان نتائجها وهي التي أثرت إيجابا على مجمل النتائج المعلنة حتى تاريخه ، و يؤكد ذلك الأثر الطفيف للخسائر غير المحققة على النتائج المعلنة والبالغ 3% بمقدار 21 مليون د.ك نظرا للصبغة التشغيلية للنتائج المعلنة حتى الآن .

وتشير تقديراتنا الأولية شبه المؤكدة إلى انقلاب الوضع الإيجابي المذكور أعلاه إلى سلبي من حيث نتائج مجمل الشركات عند اكتمال إعلانها في موعد أقصاه منتصف أغسطس المقبل ، حيث نتوقع أن تكون نتائج النصف الأول 2006 أقل من ذات الفترة من العام الماضي وذلك رغم النتائج الإيجابية الملموسة لعمليات التخارج القسري التي تم الإشارة إليها في الفترة السابقة ، ولا شك بأن تحقق توقعاتنا ليس بالمفاجأة حيث أشرنا لها في تقارير سابقة وذلك على خلفية تأثر نتائج شريحة كبيرة من الشركات سلبا بتراجع مؤشر البورصة في النصف الأول خاصة الربع الأول الذي انعكس على تقييم محافظها الاستثمارية .

وبالرغم من توقع انخفاض النتائج إجمالا ، فإنه لا بد من ملاحظة بعض النقاط الإيجابية لمتغيرات النتائج خاصة بما يتعلق بتنامي النتائج التشغيلية لشريحة من الشركات التي تستحق النظر في إمكانية الاستثمار بها خاصة في ظل تراجع أسعارها تبعا للتيار ولو بدرجة أقل ، ومن جهة أخرى تمثل النتائج الحالية اختبارا جيدا لجودة الأرباح وفرزا واضحا للشركات المتينة من الضعيفة ، كما تمثل متابعة نتائج الربع الثاني 2006 على وجه أدق فرصة جيدة للمحللين والباحثين لمعرفة أثر ثبات مؤشر السوق خلال الربع المذكور على نتائج الشركات ، حيث يتوقع أوليا أن تكون نتائج ذلك الربع نموذجا لتحييد مؤثرات مؤشر البورصة على النتائج وذلك في المجمل ، حيث إنه لا يستبعد أن تكون نتائج بعض الشركات في الربع الثاني متأثرة بشكل ملموس بأداء البورصة لنفس الفترة خاصة إيجابا على خلفية الإقفالات المفتعلة صعودا نهاية النصف الأول .