قطوف الجُمان



SocialTwist Tell-a-Friend

 

                                  محاضرة بعنوان:
                       الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)

لطلبة كلية الهندسة -جامعة الكويت

المحاضر: ناصر سليمان النفيسي

المدير العام - مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية

 التاريخ: 23/06/2022

بإشراف الدكتور:خالد الخالدي

 

مقدمة:

     سنقدم محاضرة سريعة ومختصرة حسب الوقت المتاح عن موضوع "الذكاء الاصطناعي" بطريقة سلسة وسهلة ومفهومة للجميع كون المحاضر ليس متخصصاً في "الذكاء الاصطناعي" بشكل علمي ودقيق، وأيضاً لكون الحضور ليس تخصصهم العلمي هذا الموضوع.

   وقد تم اختيار الموضوع لأهميته واتساع آفاقه ودخوله في جميع مجالات الحياة ليكون موضوع نقاش وحوار وعصف ذهني ما بين المحاضر والحاضرين للاستفادة المتبادلة وإثراء الأفكار مبتعدين عن سياق المحاضرات الأكاديمية التقليدية.

          وتأتي ظاهرة "الذكاء الاصطناعي" ضمن الطفرات التقنية الأخيرة السريعة والنوعية، كما أن "الذكاء الاصطناعي" مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمستجدات التقنية، مثل: الربوت، بلوك شين أو "سلسلة الكتل"، العملات الافتراضية، أنترنت الأشياء، ميتافيرس، المركبات ذاتية القيادة، المسيّرات ... إلخ، حيث تعتمد تلك المكونات على بعضها البعض وتستفيد بشكل متبادل من قواعد المعلومات المرتبطة بها، وذلك في سبيل تحقيق الأهداف التي صُنعت من أجلها.

 

أهمية "الذكاء الاصطناعي":

   باختصار، كما أن الماء يدخل في كل شيئ تقريباً يحتاجه الإنسان، أصبح "الذكاء الاصطناعي" لصيقاً في كثير أو معظم الجوانب التي تحيط بأي إنسان يعيش في هذا العالم المتطور باستمرار وبسرعة، ولا يمكن حصر أهمية أو تأثير "الذكاء الاصطناعي" في كثير أو معظم المجالات التي يتفاعل معها الإنسان بشكل لصيق ويومي، لكننا سنحاول التطرق إلى أمثلة توضّح أهمية وحساسية وربما خطورة "الذكاء الاصطناعي" إذا ما تم استخدامه في الاتجاه السلبي، كونه سلاح ذوح حدّين.

 

شرح مختصر ومبسط للـ "الذكاء الاصطناعي":

   "الذكاء الاصطناعي" هو برامج حاسب آلي في أصلها، ولكنها متطورة للغاية ومتقدمة جداً من حيث الاحتمالات والبدائل والخيارات، كما أنها متصلة بشكل أو بآخر بقواعد بيانات عملاقة ودقيقة في آن واحد.

 

أمثلة لاستخدامات "الذكاء الاصطناعي":

1. المركبات ذاتية القيادة: حيث تتوفر برامج إلكترونية داخل المركبة لتوجيهها والسيطرة عليها، كما أنها متصلة ببرامج آخرى أو قواعد معلومات خارج المركبة مثل الأقمار الاصطناعية وخوادم الشركات المصنعة والأنظمة المرورية.. إلخ، حيث تسير المركبة دون قائد حسب الوجهة المحددة لها سلفاً، علماً بأن "الذكاء الاصطناعي" يتم تطبيقه بدرجات متفاوتة على وسائل المواصلات الأخرى، مثل: القطارات، الطائرات والسفن.

2. تعدين العملات الرقمية: يعتمد تعدين العملات الرقمية، أي استخراجها - من مكامنها "الغير معروفة" إلى حيّز الوجود الافتراضي -  على خوادم حاسب آلي ذات طاقات كبيرة وسرعات عالية، ويتم توظيف "الذكاء الاصطناعي" للوصول إلى حلول لـ "خوارزميات" معقدة من خلال برامج إلكترونية متطورة وذكية متصلة بقواعد معلومات دقيقة وعملاقة، وهذا ما يطلق عليه "الذكاء الاصطناعي" في هذا المضمار.

ملاحظة: عرض "الذكاء الاصطناعي" فيما يتعلق بالعملات الرقمية هو لغرض الشرح والتوضيح حيث أننا غير مقتنعين بموضوع "العملات الرقمية" ككل.

3. الفضاء: تعتبر الأقمار الاصطناعية والمركبات الفضائية والاستخدام العسكري للفضاء من أحدث وأهم وربما أخطر مجالات استخدام "الذكاء الاصطناعي" في السنوات الأخيرة، حيث يتم إطلاق عشرات الأقمار الاصطناعية يومياً، وباتت أعدادها بعشرات الآلاف في الفضاء حالياً، كما أن الرحلات الفضائية المأهولة وغير المأهولة باتت بأعداد كبيرة سنوياً، ناهيك عن استحداث رحلات فضائية سياحية مؤخراً، كما أن الأسلحة المتطورة والأكثر فتكاً ودقة باتت فضائية في جانب مهم منها، وكل ذلك يتم باستخدام "الذكاء الاصطناعي"،  وذلك لبُعد المسافات وطول فترة مكوث الأقمار الاصطناعية في الفضاء، حيث يتم  تشغيل وإدارة وتوجيه كثير من الجوانب المرتبطة بالفضاء عن بُعد، كون كثير من المركبات الفضائية خالية من العنصر البشري، ناهيك عن خلو جميع الأقمار الاصطناعية من ذلك العنصر.

4. البورصات: بدأ يتغلغل "الذكاء الاصطناعي" في مهمات تحليل الأسهم وبيعها وشراءها والمضاربة فيها، حيث يتم كل ذلك آلياً ولحظياً دون تدخل بشري من خلال برامج إلكترونية ذكية مرتبطة بقواعد بيانات ومعلومات عملاقة ودقيقة، والذي يعتبر منهجاً جديداً وناجحاً لإبعاد الأهواء الشخصية والعواطف المنحازة، وكذلك لتفادي التردد والتأخر في اتخاذ قرارات المتاجرة بالبورصات التي تعتمد على السرعة والحسم لاقتناص الفرص، ولا شك بأن ما ينطبق على البورصات فيما يتعلق بـ "الذكاء الاصطناعي" ينطبق على أسواق العملات والسلع بكافة أبوابها وباقي أنواع الأدوات الاستثمارية الأخرى بجميع مسمياتها.

 

التأثيرعلى سوق العمل:

   لا شك أن القفزات التقنية الأخيرة أعادت تشكيل الطلب على سوق العمل، بالتالي، أصبح الطلب قوياً جداً على صائغي البرامج الإلكترونية، أو "المبرمجين"، وهم العمود الفقري لأركان الثورة التقنية، ومنها ركن "الذكاء الاصطناعي"، وعليه، أصبحت رواتب "المبرمجين الموهوبين" هي أعلى بكثير من المواهب في مجالات أخرى، ولو ارتفعت أهميتها، مثل الطب والهندسة والاقتصاد، والذرّة .. إلخ، حيث يتوفر لهؤلاء "المبرمجين الموهوبين" فرص تحقيق الثروات من خلال الترقي السريع للوصول إلى شريحة كبار الملاّك في الشركات العملاقة، وهذا ما هو معروف في قوائم كبار ملاّك الشركات العملاقة مثل غوغل، مايكروسوفت، أمازون وفيسبوك ... إلخ.

 

صناعة الشركات العملاقة:

   أدت الثورات التقنية الأخيرة والمدعومة من "الذكاء الاصطناعي" في صناعة إمبراطوريات عالمية، حيث فاق قيمة بعضها سقف ترليون وترليوني دولار من حيث القيمة الرأس مالية، والذي أحدث طفرات في أعداد أصحاب المليارات وأثرياء العالم وحجم ثرواتهم، والذي أعاد تشكيل أوزان وأحجام القطاعات الاقتصادية في البلدان المتقدمة والكبرى والذي انعكس على الاقتصاد العالمي بالتبعية.

شركات التقنية وبنوك المعلومات:

   ذكرنا آنفاً مدى اعتماد "الذكاء الاصطناعي" على البيانات والمعلومات الكبيرة، وهي ما يطلق عليها "بنوك المعلومات"، وتستدرج بعض شركات التقنية مثل (فيسبوك، واتساب وتويتر... إلخ) حسابات مجانية بمئات الملايين، إن لم نقل بالمليارات، ومن أهداف عملية "الاستدراج" تجميع بيانات عن المشتركين بشكل أو بآخر وبأقصى عمق ممكن، وذلك لتوظيفها في مصالح خاصة بشركات التقنية بشكل مباشر وغير مباشر دون علم من المشتركين أو موافقتهم في كثير من الحالات.

    ويتم استخدام وتوظيف "بنوك المعلومات" حسب الوصف أعلاه في عدة غايات وأهداف من خلال آلية "الذكاء الاصطناعي"، حيث يتم فرز وتصنيف ومعالجة تلك البيانات الهائلة والمجانية لبيعها بمبالغ لا يستهان بها على جهات أخرى لأهداف تجارية أو غير تجارية، مشروعة أو"مشبوهة"، فمن خلال "بنوك المعلومات"، يمكن تصنيف سكان دولة الكويت على النحو التالي على سبيل المثال، لا الحصر:

1- مواطنين ومقيمين.

2- ذكور وإناث.

3- الفئات العمرية (أطفال، شباب وكبار).

4- الميول السياسية (محافظين وليبراليين).

5- القوة الشرائية (قوي، متوسط وضعيف).

6- أطياف المجتمع.

7- الاهتمامات الشخصية.

8- الهوايات.

9- الحالة الاجتماعية.

   وعليه، يمكن استهداف تلك الشرائح بالإعلانات أو التوجيه الخفي أو المبطن لتحقيق أهداف مادية كبرى، وغالباً تكون عملية الاستهداف مؤثرة وناجحة كونها معتمدة على فئات محددة مهتمة غالباً بالمحتوى الذي سيصلهم.

 

الأخطار المرتبطة بـ "الذكاء الاصطناعي":

   ذكرنا فيما سبق أن "الذكاء الاصطناعي" سلاح ذو حدين، أي كما أن له إيجابيات عملاقة، له سلبيات عملاقة أيضاً، وللاستخدامات السلبية عدة صور وأشكال عديدة، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، وبإيجاز شديد التالي:

1. اختراق وقرصنة الحسابات: سواءً كانت مصرفية أو إلكترونية أو غيرها، حيث يتم توظيف "الذكاء الاصطناعي" في هذا المضمار بقوة، ومن صور ذلك، قيام برامج بتجربة ملايين كلمات السر في دقائق محدودة إلى حين الوصول إلى كلمة السر الصحيحة، وبالتالي، يتم اختراق الحساب المستهدف، وبعدها، يتم تنفيذ الهدف من الاختراق.

2. تزوير مقاطع مصورة: حيث يمكن من خلال "الذكاء الاصطناعي" فبركة مقطع موجود من خلال التعديل عليه، أو اصطناع مقطع جديد، وذلك باتقان شديد للغاية، ومن ثمّ، توظيف ذلك لأهداف غير مشروعة لغرض إحداث فضائح، أو بهدف الابتزاز، أو تشويه السمعة ... إلخ، ويسري ذلك على الصور والوثائق، وغيرها من المستندات.

3. اختراق أنظمة لمؤسسات مهمة وحساسة: حيث يتم الدخول على أنظمة تلك المؤسسات سواءً حكومية أو غير حكومية لتخريبها أو تفجيرها أو تسييرها بما يتوافق مع مصلحة الخصوم، ومن مخاطر ذلك إحداث توتر ما بين الدول، أو حتى إشعال الحروب فيما بينها، وربما يكون المتسبب طرف ثالث استخدم "الذكاء الاصطناعي" في إشعال الحروب لمصالح خاصة فيه ولأجندة مدمرة لأطراف أخرى.

   ونود أن ننوه في هذا المقام، أن من مخاطر "الذكاء الاصطناعي" احتمال الخطأ أو الخلل بحسن نية، إن صح التعبير، حيث قد ينتج عن ذلك مشاكل أو كوارث، ولا شك أن احتمال الخطأ أو الخلل صعب جداً وضئيل للغاية، لكن يجب عدم استبعاده نهائياً، وذلك من خلال خطط أو سيناريوهات أو مسارات جانبية أو بديلة أو ما يسمى بـ "خطط طوارئ"، وذلك لتخفيض احتمالات حدوث الخلل أو الخطأ قدر الإمكان، كون نتيجته قد تكون مدمرة، ولو بشكل غير مقصود.

 

بعض نقاط بشأن "الذكاء الاصطناعي"

 

 

1. حاولت أحد الجهات في أواسط ثمانينيات القرن الماضي معرفة عدد سكان السعودية "لأمر ما" يهمها، حيث كان عدد السكان من المعلومات السرية في السعودية والإمارات وغيرهما من الدول خلال تلك الحقبة، فتعرّفت على عدد السكان بشكل تقريبي من خلال إحصائيات استهلاك السعودية للمشروب الغازي "بيبسي"، حيث كان "كوكا كولا" لازال ضمن قائمة المقاطعة وقتها، وهذا المثال هو "ذكاء طبيعي"، تم تطويره لاحقاً إلى "ذكاء اصطناعي" للتجسس على معلومات سرية في كثير من البلدان.

 

 

 

2. قام الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) بتقييد نشاط شركات "هواوي" و"تيك توك" بشكل كبير جداً منذ نحو 3 سنوات، وكذلك شركات تقنية صينية أخرى، حيث كانت هناك مخاوف كبيرة من قيام تلك الشركات بالتجسس على الغرب من خلال عدة آليات، منها: "الذكاء الاصطناعي".

 

 

 

3. من الأحداث الأخيرة والمثيرة بشأن "الذكاء الاصطناعي" هو إيقاف "جوجل" مهندساً لديها وأحالته إلى إجازة بعد تصريح قال فيه أن "ربوت محادثة" يعمل عليه "اكتشف الوعي وبات يشعر مثل الإنسان".

 

 

 

 أسم الموظف "بليك ليموين" كان يعمل على تطوير "ربوت محادثة" أو "تشات ربوت" يُدعى "لامدا" والذي يعتمد على "الذكاء الاصطناعي".

 

مصدر الخبر: موقع "العربية" بتاريخ 16/06/2022.

 

4. من أسباب تفوّق شركة "تسلا" للمركبات الكهربائية على كثير من شركات المركبات التي سبقتها بنحو 100 عام كونها "كهربائية"، وأيضاً لاعتمادها على "الذكاء الاصطناعي" بشكل كبير جداً بالمقارنة مع شركات المركبات الأخرى، والتي تعتمد على "الذكاء الاصطناعي" أيضاً ولكن بدرجة أقل من "تسلا"، وقد فاقت قيمة "تسلا" السوقية مبلغ الترليون دولار منذ نحو 6 أشهر، والتي تفوق قيمة أكبر 6 شركات مركبات عالمية، رغم كونها "عريقة وكبيرة وقديمة".

 

 

 

5. لا يخفى على أحد فضيحة شركة "فيسبوك" التي زودت مؤسسة "كيمبردج أناليتكا" ببيانات شريحة من مشتركيها لغرض دعم حملة "ترامب" للفوز بمنصب رئاسة الولايات المتحدة عام 2016، وقد استخدمت "كيمبردج أناليتكا" آلية "الذكاء الاصطناعي" للتواصل مع شريحة من الناخبين الأميركان المترددين في اختيار أي من المرشحين "دونالد ترامب" أو "هيلاري كلينتون"، وذلك من خلال استهدافهم برسائل ومواد دعائية مباشرة وغير مباشرة تحثهم للتصويت لصالح "ترامب".

 

 

 

6. "حسب وكالات أنباء"، بدأت منذ أكثر من سنة هجمات "إسرائيلية" على أهداف وشخصيات إيرانية، حيث تم تفجير بعض المنشآت أو اختراقها أو تعطيلها، أو تخريبها، وكذلك اغتيال عدة شخصيات إيرانية مهمة، سواءً في الاستخبارات، أو الحرس الثوري، أو علماء ذرّة، علماً بأن معظم تلك العمليات تتم من خلال توظيف "الذكاء الاصطناعي" في تنفيذها بدقة متناهية بواسطة مسيّرات أو برامج خبيثة أو قرصنة ... إلخ.

 

7. من أمثلة مخاطر "الذكاء الاصطناعي"، هو حدوث خلل في خوادم أو "سيرفرات" شركة "تسلا" للمركبات الكهربائية في أحد أو بعض الدول الذي أدى إلى تعطّل جميع مركبات "تسلا" في تلك الدولة بشكل مفاجئ، وفي آن واحد أيضاً، أي حدوث شلل كامل ومباغت، وقد تم تدارك هذا الخلل الخطير جداً في وقت قياسي، لكن لا يمكن استبعاد تكرار ذلك مستقبلاً، سواءً من جانب شركة "تسلا"، أو أي شركات أخرى تعتمد على "الذكاء الاصطناعي" بشكل كبير جداً.

 

 

 

8. خلق وظائف واندثار أخرى: لاشك بأن "الذكاء الاصطناعي" يخلق وظائف جديدة وكثيرة خاصة في حقل البرمجة المتقدمة، ولكنه في نفس الوقت يقلّص أو يقتل وظائف أخرى وكثيرة أيضاً، وذلك نظراً للتقدم التقني الهائل والسريع، ومن تلك الأمثلة: تراجع أهمية المحلات التجارية التقليدية الخاصة ببيع التجزئة، حيث أن البيع الإلكتروني يتوسع بشكل هائل مما تسبب بضرر بالغ على عمالة محلات التجزئة، بالإضافة إلى الخسائر العقارية المرتبطة بتقلّص المساحات المؤجرة لمنافذ التجزئة، كما أن العمليات المصرفية باتت إلكترونية في معظمها، ناهيك عن بدء شيوع البنوك الرقمية أو "فنتك"، وهي التي تستغني عن العنصر البشري بشكل واسع جداً.