31/05/2009
تقرير مركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للأوراق المالية
لأول مرة منذ بداية العام الحالي يحقق المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية أداءً إيجابياً بمعدل 5% ، وكذلك المؤشر السعري – ولو بدرجة أقل – بمعدل 3% ، وقد كان أداء المؤشرين ايجابياً لشهر مايو الجاري بمعدل 8 و 6% للوزني والسعري على التوالي ، ونعتقد أن الأداء الإيجابي له ما يبرره من عدة جوانب ، منها :
1. إقرار قانون الاستقرار المالي وتوقع تمريره في مجلس الأمة القادم .
2. تحسن المناخ الاقتصادي العالمي ، ولو بشكل متواضع وحذٍر .
3. ارتفاع أسعار النفط نسبياً .
4. النتائج الإيجابية لانتخابات مجلس الأمة ، وفقاً لرأي شريحة مهمة من المهتمين .
5. تحسن نتائج مجمل الشركات المدرجة في الربع الأول 2009 بالمقارنة مع الربع الرابع 2008 .
ورغم المبررات الموضوعية لتحسن اداء البورصة كما تم ذكرها أعلاه ، إلا أن التداولات المصطنعة لشريحة من الأسهم المدرجة لا زالت مستمرة بل وبزخم أكبر ، حيث تم التداول على بعض الأسهم خلال شهر مايو بما يزيد عن تداولها خلال العام الماضي كاملاً ، وذلك دون تغيرات جذرية في قائمة كبار الملاك ، ودون مستجدات على صعيد الشركات المعنية من حيث الأداء ، بحيث تبرر التداول المكثف عليها ، والذي من شأنه الحد من تعزيز عنصر الثقة ، والذي تحسن إلى حد ما على خلفية المتغيرات الإيجابية الأخيرة .
من جهة أخرى ، يجب ان لا ننسى خلال أجواء التفاؤل السائدة حاليا وجود عدة ملفات كبيرة ومعقدة لم يتم حلها حتى الآن ، وهي المتعلقة بالشركات المتعثرة والورقية ، وأيضا بما يرتبط بالأصول المسمومة والنزاعات القانونية المتعددة والشائكة ما بين عدة أطراف ، حيث يجب أخذ تلك المعطيات السلبية بالاعتبار ، حيث إنها من المرجح أن تلقي بظلالها على أداء سوق المال من وقت لآخر ، وذلك تبعا للتطورات المرتبطة بها .
وقد ارتفع متوسط التداول اليومي بمعدل 6.5% في شهر مايو الجاري ليصل إلى 142.0 مليون د.ك بالمقارنة مع 133.4 مليون د.ك لشهر أبريل 2009 ، وبالرغم من ارتفاع المؤشرات والتداول ، إلا أن متوسط سعر السهم للسوق قد سار عكس الاتجاه ، أي نحو الانخفاض ، حيث تراجع من 184 فلسا في أبريل إلى 170 فلسا في مايو ، مما يؤكد عمليات التدوير المصطنعة للأسهم المنخفضة القيمة ، ناهيك عن المضاربة على شريحة أخرى من الأسهم الرخيصة ، خاصة المتعثرة والورقية منها ، ونود الإشارة إلى أنه قد تبقى يوم واحد للتداول في شهر مايو الجاري ، والذي لم يتم أخذه بالاعتبار في الإحصائيات أعلاه .
نتائج الربع الأول وما بعده
أعلنت معظم الشركات المدرجة نتائجها عن الربع الأول 2009 بأرباح مجملة قدرها 113 مليون د.ك ، بانخفاض بلغ 90% عن نتائج ذات الربع من العام الماضي حين بلغت 1,134 مليون د.ك ، ورغم "هول" الانخفاض بالمقارنة مع الربع المناظر ، إلا أنه يمكن النظر إلى نتائج الربع الأول بإيجابية عند مقارنته بالربع الذي سبقه ، وهو الأخير من العام الماضي ، والذي تكبد خسائر بمقدار 3,171 ملايين د.ك ، وهو المبلغ التاريخي الذي نتمنى أن يكون من الماضي ، رغم ما يحمل ذلك الرقم من معانٍ ودلالات في غاية الوضوح والألم في نفس الوقت .
ولا شك بأن أداء الربع الثاني من العام الجاري سيكون أفضل بمراحل عديدة من أداء الربع الأول ، رغم أن نتائجه لن تصل إطلاقاً إلى الربع المناظر له من العام 2008 والبالغة 1,296 مليون د.ك ، حيث إن الأرباح المجمعة للربع الثاني 2009 ستكون جيدة حتى بوصولها إلى مبلغ 500 مليون د.ك ، وهو بانخفاض نسبته 61% عن ما تم إعلانه في ذات الربع من العام الماضي ، كما نتوقع استمرار وتيرة التحسن في الأرباح الفصلية حتى نهاية العام بإفتراض عدم حدوث مفاجآت خاصة السلبية منها ، وبالتالي ، فإننا نرجح أن يكون أداء النصف الثاني أفضل من النصف الأول ، والذي سيكون مدعاة إلى تدعيم وضع البورصة – إن لم يكن تحسنها – في المستقبل المنظور ، وذلك على خلاف التوقعات السلبية لأداءها العام الجاري ، والتي تم إطلاقها نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي ، وقد كانت منطقية وقتها نظراً للظروف السائدة حينها .
من المسؤول عن الكارثة ؟
وعلى وقع المتغيرات الإيجابية السائدة حالياً ، والتي تم التطرق لبعضها في مقدمة التقرير ، عاد موضوع زيادة رساميل الشركات ، ولو بغرض إعادة هيكلة القروض وتسديد جزء منها على الأقل ، وليس بغرض التوسعات ، والتي كانت شعارات زائفة لامتصاص السيولة المتوافرة في غالب الحالات ، ومن ثم توظيف تلك السيولة في مغامرات ومقامرات اتضحت معالمها ومآسيها للجميع ، وبما لا يختلف عليه اثنان ، والتي كبدت الشركات خسائر فلكية كانت أبعد من الخيال ، إلا أن العجب – إن لم نقل المضحك – في الأمر ، هو أن معظم الشركات ذات الإدارات السيئة والفاسدة تعلق أسباب خسائرها الهائلة واخفاقاتها المكشوفة على شماعة الأزمة العالمية ، وذلك بكل وقاحة ودون خجل من هول الأكاذيب والترهات التي يسوقونها لتبرير سوء إدارتهم وفسادهم ، ولا يسع المجال هنا لضرب الأمثلة على الأسباب المرتبطة بالشركات المعنية بذاتها ، والتي أدت إلى الكوراث التي حلت بها ، والتي ليس لها صلة من قريب أو بعيد بالأزمة العالمية ، والتي نعتقد أن أثرها السلبي لا يتجاوز إطلاقاً 20% من الأضرار التي لحقت بالشركات المدرجة .
عودة زيادة الرساميل
ونعود مرة أخرى لموضوع زيادة رساميل الشركات ، حيث يجب تنظيمها ضماناً لعدم إساءة استخدامها أو تجييرها لمصالح فئة معينة ، فلا زال موضوع المستثمر الاستراتيجي حاضراً ، وهو المستثمر الغامض ومن الأسرار الكبرى حتى الآن ! وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المستثمر الاستراتيجي تم استخدامه كأداة متقنة للتلاعب في زيادة رساميل الشركات فيما مضى ، حيث لا يتم الإفصاح عنه ، وعندما ينتهي الاكتتاب لا نرى تغيراً في قائمة كبار الملاّك ، حيث كانت الزيادات لأغراض تنفيعية ومضاربية محضة في معظمها ، وبعيدة كل البعد عن الخطط المدروسة والمستثمرين الإستراتيجيين الحقيقيين .
وعليه ، فإننا نرى ضرورة تقنين رفع رساميل الشركات للحد من الزيادات غير المبررة في أحيان ، والغامضة في أحيان أخرى ، حيث يتم طرح سعر للاكتتاب أعلى من سعر السوق بشكل ملحوظ في بعض الحالات ، وبالتالي ، تنفير عموم المساهمين من الاكتتاب ، ومن ثم اقتصاره على فئة محدودة أو جهة معينة مقربة من الملاّك الرئيسيين أو مجلس الإدارة ، وبعد انقضاء فترة ممارسة حق الاكتتاب يتم "تفجير" المفاجآت السارة المتعلقة بالشركة محل زيادة رأس المال ، والذي يؤدي إلى ارتفاع السهم بشكل حاد تبعاً لذلك ، لتفوز الفئة المتلاعبة بالغنيمة الكبرى ، والتي تقوم بعدها ببيع الأسهم المكتتب بها بأرباح كبيرة على باقي المساهمين المتحسرين على عدم اكتتابهم بالأسهم الجديدة ، وذلك بأسعار مرتفعة والتي تفوق سعر الاكتتاب بكل تأكيد ، ثم تعود أسعار الأسهم إلى الهبوط من شدة المعروض من الأسهم لتصل إلى القاع وإلى مرحلة الاحباط لصغار المستثمرين ، والذين يبيعون بخسائر كبيرة لنفس الأطراف التي صرّفوا الأسهم عليها ، ومن ثم يرتبون – ونقصد أصحاب الصلة بمجلس الإدارة وكبار المساهمين – لجولة أخرى لامتصاص من ما تبقى في جيوب الصغار ، وهكذا دواليك !
ولعله من المناسب أن نقترح بعض الإجراءات للحد من إساءة استخدام موضوع زيادة رساميل الشركات ، ومنها :
1. ضرورة استخدام الزيادة في رساميل الشركات في أغراضها الأساسية .
2. الإيضاح عن اسم المستثمر الاستراتيجي في حال وجوده .
3. منع مجلس الإدارة من التصرف في الأسهم غير المكتتب بها .
4. عرض الأسهم غير المكتتب بها بعلاوة مدروسة ، ومن ثم توزيع قيمتها على المساهمين الذين لم يكتتبوا بها ، لأي سبب من الأسباب ، وذلك بالنسبة والتناسب .
5. تخفيض رأس المال بالأسهم غير المكتتب بها في حال عدم تغطية زيادة رأس المال بالكامل .
البنك المركزي وشركات الاستثمار
طالعتنا الصحف المحلية بتاريخ 14/05/2009 بتصريح لمحافظ بنك الكويت المركزي بشأن الانتقادات الموجهة إليه فيما يتعلق برقابته على شركات الاستثمار ، والتي كانت الأكثر تضرراً جراء سوء الإدارة والفساد الذي انكشف على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية .
ومما لا شك فيه أن لمحافظ النبك المركزي وجهة نظر في هذا الموضوع هي محل اعتبار ، وبما أنها وجهة نظر ، فإنها معرضة للتعليق والنقد بكل تأكيد ، خاصة في ظل التأثر السلبي الجسيم للاقتصاد الكويتي جراء ممارسات المسؤولين عن الشركات المدرجة عموماً ، وشركات الاستثمار خصوصاً ، والذي أدى إلى النيل من سمعة الكويت الاقتصادية ، وتهديد مكانتها المرموقة ، والتي كان البنك المركزي ولا يزال أحد دعائمها الأساسية .
وقد مارس البنك المركزي دوراً حيوياً في الحفاظ على الاقتصاد الكويتي خاصة بما يتعلق بقطاع البنوك ، وهو القطاع الأكثر أهمية وحساسية ، وقد أدت ممارساته المهنية إلى إثارة البعض ، سواء كانوا من الفاسدين أو الأطراف المرتبطة بسوء الإدارة ، بالإضافة إلى محدودي الثقافة الاقتصادية والفهم المطلوب لتقييم قرارات البنك المركزي ، كما انتقد إجراءات البنك المركزي مجموعة من المتخصصين ولو أنها محدودة العدد للغاية ، وذلك من خلال طرح علمي ومنطقي ، أي أن النقد كان بنّاءً وهادفاً للمصلحة العامة ، وهو أمر مطلوب دون أدنى شك . ومن أمثلة الإجراءات الإيجابية والمهمة وربما المصيرية أيضاً التي قام بها البنك المركزي فيما مضى التالي :
1. اتخاذ إجراءات احترازية لتقييد وتنظيم الائتمان خلال العام 1997 ، نظراً لزيادة جرعة المضاربة الضارة في سوق المال وقتها ، والذي أدى إلى تقليص الأزمة التي حدثت خلال العام التي 1998 ، والتي كانت نموذجاً مصغراً للأزمة الحالية .
2. اتخاذ إجراءات استثنائية في بداية ومنتصف العام 2008 عقب تفاقم أزمة الرهن العقاري الأمريكية ، وذلك من حيث تشديد الرقابة على الاقتراض ، والتأكد من عدم استخدامه وقوداً للمضاربة في العقار والأسهم ، وزيادة حدة التضخم .
3. فك ربط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي ، نظراً للضعف المستمر لهذا الأخير ، والذي تسبب في إحداث ضغوط تضخمية مستوردة وغير مبررة ، حيث أدى ذلك الفك إلى تعزيز قيمة الدينار الكويتي ، وزيادة قوته الشرائية والحد من ارتفاع نسب التضخم المتصاعدة بشكل سريع حينها .
4. عزل عدد من رؤساء البنوك ، والذين أساؤوا إدارتها واستفادوا بشكل غير مشروع منها ، وذلك رغم كون هؤلاء الرؤساء من المتنفذين والشخصيات الكبرى المعروفة ، حيث لم يشفع لهم ذلك أمام جدية وحزم البنك المركزي ، نظراً للخطر الذي كان يشكله هؤلاء على المؤسسات المصرفية والقطاع المالي عموماً .
5. دور البنك المركزي في قيادة فريق معالجة تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني ، وإصدار قانون الاستقرار المالي الذي يعتبر آلية مهنية دقيقة لمعالجة الأزمة على القطاع المالي ، والذي أدى إلى استعادة جزء مهم من الثقة المفقودة ووضع حدا لانهيار سوق المال ، ورغم وجود بعض الانتقادات الموضوعية لذلك القانون ، إلا أنها لا ترقى إلى التقليل من أهميته البالغة في تحقيق الخطوة الأولى والمهمة في طريق كبح المخاطر الكبرى الناجمة عن الفراغ التشريعي والرقابي للحفاظ على الكيان المالي للدولة .
6. تشديد الرقابة على البنوك على خلفية الشكاوى من تجاوزاتها في احتساب الفوائد والمرابحات وآجال القروض ، وغيرها من الممارسات السلبية لبعض البنوك ، والتي كانت ظالمة ومؤلمة لشريحة لا يستهان بها من المقترضين خاصة الأفراد ، وقد أدت تلك الرقابة – ولو أنها تأخرت – إلى إعادة بعض الحقوق لأصحابها وتغريم بعض البنوك المتجاوزة غرامات مؤثرة ورادعة ، وكذلك تقنين الاقتراض وتوضيح شروطه وطرق احتساب أعبائه وسداد دفعاته .
كما قام البنك المركزي بالعديد من الخطوات الايجابية التي نعلمها والتي لا نعلمها أيضاً ، وذلك في سياق الواجب المكلف به في رقابته وتنظيمه للقطاع المصرفي ، والذي بالتأكيد لا يصل إلى مرتبة الكمال ، بدليل حدوث أزمة أو فضيحة بنك الخليج ، والتي تم تداركها من قبل البنك المركزي والجهات الرسمية الأخرى المعنية بكل كفاءة واقتدار ، حيث يجب أن لا نتوقع إحكام الرقابة 100% على البنوك ، وهذا أمر مقبول ومتعارف عليه حتى في أكثر الدول تقدماً ، لكن تعامل البنك المركزي مع شركات الاستثمار لم يكن بالمستوى المطلوب الذي يتم مع البنوك ، حيث اتسم دروه بالتراخي والتجاوز على خروقات كبيرة وجسيمة ومتكررة أيضاً من جانب العديد من شركات الاستثمار ، ومن تلك الممارسات السلبية :
1. ضعف الرقابة بشكل عام ، والذي أدى إلى استهتار القائمين على شريحة كبيرة من شركات الاستثمار في إدارة أموال تلك الشركات ، والأخطر من ذلك الأموال المودعة لديهم كمحافظ ، والمتعارف عليها باسم "خارج الميزانية" .
2. استخدام القروض في غير أغراضها ، ناهيك عن المبالغة فيها ، وأيضاً عدم تناسب آجالها مع آجال استخدامها .
3. تعدد الشركات التابعة والزميلة ، حيث كان بالعشرات للشركة الاستثمارية الواحدة ، والذي يطلق عليه ظاهرة "التفريخ" ، سواء كات تلك الشركات التابعة والزميلة استثمارية أو غير استثمارية ، حيث إنه من غير المنطقي إطلاقاً قبول مؤسسة رقابية مثل البنك المركزي لعملية التفريخ السريعة دون كوادر مهنية لإدارتها ، والذي أدى إلى ظاهرة الشركات الورقية وبشكل سافر لم يسبق له مثيل .
4. كثافة التعاملات البينية ما بين الشركة الاستثمارية الواحدة وشركاتها التابعة والزميلة ، سواء كانت تلك التعاملات من خلال سوق المال أو بشكل مباشر ، وهي مشبوهة منذ نشأتها ، حيث إنها صورية تهدف إلى التلاعب وتسجيل الأرباح غير الحقيقية والمبالغ بها .
5. عدم اتخاذ البنك المركزي أي إجراء تجاه فضيحة تزوير الأرباح غير المحققة لشريحة من الشركات المدرجة ، ومنها شركات استثمارية كبرى وبعضها متعثر في الوقت الحالي ، والتي انكشفت في الربع الأول من العام 2006 ، وذلك رغم تنبيهنا الواضح عن ذلك التلاعب قبل حدوثه بعام على الأقل من خلال تقارير منشورة بالصحف .
6. استخدام بعض الشركات الاستثمارية الأموال المودعة لديها من الغير بصفة الأمانة كضمان لتسهيلاتها المصرفية الخاصة ، وبالتالي تعريضها للخطر الجسيم ، وهذا ما حدث فعلاً ، والذي كان خيانة للأمانة بشكل سافر وواضح للجميع .
7. عدم توافر كوادر فنية ومهنية – لدى عدد من الشركات الاستثمارية – قادرة على إدارة الأموال الضخمة والموزعة على عدة أسواق وبأدوات استثمارية متنوعة .
ولا شك بأن المخالفات الجسيمة لشريحة كبيرة من شركات الاستثمار لم تحدث مؤخراً ودفعة واحدة إنما على مدى سنوات طويلة ، وهذا ما لفتنا النظر إليه مراراً وتكراراً من خلال تقارير اقتصادية على مدى السنوات التسع الماضية ، وليس عندما "طاح الفاس بالراس" كما يقال ، وقد أدى قصور رقابة البنك المركزي عليها إلى استفحال المخالفات وتشعبها ، بل إن حالة الفوضى السائدة قد شجعها على ابتكار وسائل وطرق للتلاعب والالتفاف على القوانين واستحداث بورصات داخلية لديها ليتم التداول على منتجاتها وأدواتها الاستثمارية بشكل شبه رسمي ، ولا شك بأن استمرار وتنامي مخالفات شركات الاستثمار على مدى سنوات عديدة يضعف حجة البنك المركزي بأن رقابته لاحقة وليست سابقة ، حيث يمكن تبرير حدوث أزمة بنك الخليج بعنصر المباغته وعدم وجود الرقابة المسبقة ، إلا أن ذلك لا ينطبق إطلاقاً على التجاوزات الجسيمة المتكررة والمستمرة لشركات الاستثمار .
من جهة أخرى ، فقد كان يتردد بأن ضعف رقابة البنك المركزي على شركات الاستثمار نابع من القصور العددي للكفاءات المهنية اللازمة ، حيث قفز عدد شركات الاستثمار من عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة قبل عشرين عاماً إلى ما يقارب المائة شركة في الوقت الراهن ، إلا أن هذا الادعاء مردود عليه إن صح التعبير ، حيث يمكن توفير الكفاءات المهنية سواء المحلية منها أو الأجنبية من خلال حوافز تشجيعية ، وهذا أمر معروف وليس من ابتكارنا ، كما أنه لو سلمنا جدلاً بصعوبة توافر العدد المناسب للكوادر المهنية المطلوبة ، فقد كان من الأحرى بالبنك المركزي إيقاف سيل التراخيص لشركات الاستثمار التي وصل إجماليها حالياً إلى المائة كما أسلفنا ، وأيضاً فإنه من المؤكد إن لم نقل بالأمر القاطع عدم حاجة الكويت لهذا العدد الهائل من الشركات الاستثمارية ، والتي أصبحت عبئأً على الاقتصاد ، كما أساءت إلى سمعة دولة الكويت المالية وتقييمها السيادي .